للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن كان الحق النفي دون الإثبات - والكتاب والسنة والإجماع إنما دل على الإثبات ولم يذكر النفي أصلاً - لزم أن يكون للرسول والمؤمنون لم ينطقوا بالحق في هذا الباب، بل نطقوا بما يدل إما نصاً وإما ظاهراً على الضلال والخطأ المناقض للهدى والصواب.

ومعلوم أن من اعتقد هذا في الرسول والمؤمنين فله أوفر حظ من قوله تعالى " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ".

فإن القائل إذا قال هذه النصوص أريد بها خلاف ما يفهم منها، أو خلاف ما دلت عليه، أو إنه لم يرد إثبات علو الله نفسه على خلقه، وإنما أريد بها علو المكانة، ونحو ذلك كما قد بسطنا الكلام على هذا في غير هذا الموضع، فيقال له فكان يجب أن يبين للناس الحق الذي يجب التصديق به باطناً وظاهراً بل ويبين لهم ما يدلهم على أن هذا الكلام لم يرد به مفهومه ومقتضاه، فإن غاية ما يقدر إنه تكلم بالمجاز المخالف للحقيقة، والباطن المخالف للظاهر، ومعلوم باتفاق العقلاء أن المخاطب المبين إذا تكلم بمجاز فلا بد أن يقرن بخطابه ما يدل على إرادة المعنى المجازي، فإذا كان الرسول المبلغ المبين الذي بين للناس ما نزل إليهم يعلم أن المراد بالكلام خلاف مفهومه ومقتضاه، كان عليه أن يقرن بخطابه ما يصرف القلوب عن فهم المعنى الذي لم يرد لا سيما إذا كان باطلاً لا يجوز اعتقاده في الله، فإن عليه أن ينهاهم عن أن يعتقدوا في الله ما لا يجوز اعتقاده إذا كان ذلك مخوفاً عليهم، ولو لم يخاطبهم بما يدل على ذلك، فكيف إذا كان خطابه هو الذي يدلهم على ذلك الاعتقاد الذي تقول النفاة هو اعتقاد باطل، فإذا لم يكن في الكتاب ولا السنة ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>