للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المصاحف ويشكلونها، وأيضاً كانوا عرباً لا يلحنون فلم يحتاجوا إلى تقييدها بالنقط، وكان في اللفظ الواحد قراءتان يقرأ بالياء والتاء مثل: يعملون، وتعملون، فلم يقيدوه بأحدهما ليمنعوه من الآخرة، ثم إنه في زمن التابعين لما حدث اللحن صار بعض التابعين يشكل المصاحف وينقطها، وكانوا يعلمون ذلك بالحمرة، ويعملون الفتح بنقطة حمراء فوق الحرف، والكسرة بنقطة حمراء تحته، والضمة بنقطة حمراء أمامه، ثم مدوا النقطة وصاروا يعملون الشدة بقولك شد، ويعملون المدة بقولك مد، وجعلوا علامة الهمزة تشبه العين لأن الهمزة أخت العين، ثم خففوا ذلك حتى صارت علامة الشدة مثل رأس السين، وعلامة المدة مختصرة كما يختصر أهل الديوان ألفاظ العدد وغير ذلك، وكما يختصر المحدثون أخبرنا وحدثنا فيكتبون أول اللفظ وآخره على شكل أنا وعلى شكل ثنا.

وتنازع العلماء هل يكره تشكيل المصاحف وتنقيطها؟ على قولين معروفين وهما روايتان عن الإمام أحمد، لكن لا نزاع بينهم أن المصحف إذا شكل ونقط وجب احترام الشكل والنقط كما يجب احترام الحرف ولا تنازع بينهم أن مداد النقطة والشكل مخلوق كما أن مداد الحرف مخلوق، ولا نزاع بينهم أن الشكل يدل على الإعراب والنقط يدل على الحروف وأن الإعراب من تمام الكلام العربي ويروى عن أبي بكر وعمر أنهما قالا: حفظ إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه، ولا ريب أن النقطة والشكلة بمجردهما لا حكم لهما ولا حرمة ولا ينبغي أن يجرد الكلام فيهما، ولا ريب أن إعراب القرآن العربي من تمامه ويجب الاعتناء بإعرابه، والشكل يبين إعرابه كما تبين الحروف المكتوبة للحرف المنطوق، كذلك يبين الشكل المكتوب للإعراب المنطوق.

فهذه المسائل إذا تصورها الناس على وجهها تصوراً تاماً ظهر لهم الصواب، وقلت الأهواء والعصبيات، وعرفوا موارد النزاع، فمن تبين له الحق في شيء من

<<  <  ج: ص:  >  >>