للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنهم من يقول إذا كان قصد وقاصد ومقصود فاجعل الجميع واحداً فيدخله في أول الأمر في وحدة الوجود.

وأما أبو حامد وأمثاله (١) ممن أمروا بهذه الطريقة فلم يكونوا يظنون أنها تفضي إلى الكفر، لكن ينبغي أن يعرف أن البدع بريد الكفر، ولكن أمروا المريد أن يفرغ قلبه من كل شيء، حتى قد يأمروه أن يقعد في مكان مظلم ويغطي رأسه ويقول: الله الله، وهم يعتقدون أنه إذا فرغ قلبه استعد بذلك فينزل على قلبه من المعرفة ما هو المطلوب، بل قد يقولون: أنه يحصل له من جنس ما يحصل للأنبياء.

ومنهم من يزعم أنه حصل له أكثر مما حصل للأنبياء، وأبو حامد يكثر من مدح هذه الطريقة في الإحياء وغيره (٢) كما أنه يبالغ في مدح الزهد، وهذا من بقايا الفلسفة عليه. فإن المتفلسفة كابن سينا وأمثاله يزعمون أن كل ما يحصل في القلوب من العلم للأنبياء وغيرهم فإنهما هو من العقل الفعال. ولهذا يقولون النبوة مكتسبة فإذا تفرغ صفى قلبه عندهم وفاض على قلبه من جنس ما فاض على الأنبياء وعندهم أن موسى بن عمران صلى الله عليه وسلم كلم من سماء عقله لم يسمع الكلام من خارج فلهذا يقولون إنه يحصل لهم مثل ما حصل لموسى وأعظم مما حصل لموسى.

وأبو حامد يقول إنه سمع الخطاب كما سمعه موسى عليه السلام وإن لم يقصد هو بالخطاب، وهذا كله لنقص إيمانهم بالرسل وأنهم آمنوا ببعض ما جاءت به الرسل وكفروا ببعض، وهذا الذي قالوه باطل من وجوه: أحدها أن هذا الذي يسمونه العقل الفعال باطل لا حقيقة له كما قد بسط هذا في موضع آخر.

الثاني أن ما يجعله الله في القلوب يكون تارة بواسطة الملائكة، إن كان


(١) يعني بأمثاله من سلكوا طريقة التصوف بعد التفقه في الدين وقلما تفضي بأمثالهم إلى الكفر إلا إذا اختلت عقولهم بالافراط في التقشف والاستسلام للتخيلات
(٢) ولكنه لم يزعم أنه حصل له أكثر مما حصل للانبياء ولا مثله بل هو يفضل مثل الشافعي على نفسه ويفضل الصحابة على الشافعي بل بين غرور بعض الصوفية وضلالهم في ذلك في كتاب ذم الغرور من الإحياء

<<  <  ج: ص:  >  >>