للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقطع المؤلفان السائحان الحدود بين لبنان وسورية فسجلا التعليق التالي (١):

«ثَمَّ هَذَا شَاهِدٌ صَغِيرٌ مِنَ الطَّرَفِ الآخَرِ مِنَ السُّلَّمِ الاِجْتِمَاعِيِ (٢). بَعْدَ بِضْعَةِ أَيَّامٍ وَفَّرَ عَلَيْنَا مَأْمُورُ الجَمَارِكَ اللُّبْنَانِيَّةِ عَلَى الحُدودِ السُّورِيَّةِ، بِإِيمَاءَةٍ مَمْلُوءَةً بِرَحَابَةِ الصَّدْرِ، جَمِيعَ الشَّكْلِيَّاتِ بَعْدَ نَظَرَةٍ يَسِيرَةً أَلَقَاهَا عَلَى جَوَازِ سَفَرِنَا. وَفِي فَرْطِ تَأْثُرِهُ قَالَ لَنَا - وَهُوَ يَبْدُو مُضْحِكًا قَلِيلاً وَمُنْتَفِخًا كَثِيرًا -:" مُرَّا، إِنَّ لُبْنَانَ هُوَ الاِبْنُ البِكْرُ لِفِرَنْسَا ". وَهَكَذَا رَجَعَتْ بِنَا الذِّكْرَى إِلَى مَرَّاكُشَ، مَرَّاكُشَ التِي نَعْرِفُهَا وَالتِي نُحِبُّهَا كَثِيرًا، وَإِلَى كُلِّ مَا نَحْنُ عَلَى وَشَكِ أَنْ نُضَيِّعَهُ فِيهَا بِسَبَبِ قَلْبِنَا الشَّائِخِ الذِي قَسَا كَثِيرًا لِقِلَّةِ سَخَائِنَا وَضَعْفِ خَيَالِنَا».

ولم يشأ هذان السائحان أن يغادرا لبنان قبل أن يخصا أرزه والبطريرك الماروني بملاحظة نابية. قالا (٣): «يَجِبُ أَلاَّ يُقَالُ: إِنَّنَا تَرْكَنَا لُبْنَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَرَى أَرُزَّهُ. إِنَّ الأَرُزَّةَ شِعَارُ البِلاَدِ، عَلَى قُبَّعَاتِ الشُّرْطَةِ وَعَلَى العَلَمَ. إِنَّهَا فِي كُلِّ مَكَانٍ إِلاَّ فِي الإِحْرَاجِ. يا خَيْبَةَ الأَمَلِ، إِنَّ الأَرُزَّاتِ التِي يَفْتَخِرُونَ بِهَا كَثِيرًا تَبْلُغُ أَرَبْعِينَ وَتَتَجَمَّعُ فِي أَعَالِيِ جَبَلٍ مَرْشُوشٍ بِالثَّلْجِ. إِنَّ أَرُزَّنَا المَرَّاكُشِيَّ فِي " أَزُورْ " أَقَلُّ قَدَاسَةً وَلَكِنَّهُ أَكْثَرُ تَأْثِيرًا فِي الرَّائِينَ».

في أثناء الانتداب أرادت فرنسا أن تمنع القرويين من أن يسيموا عنزهم في تينك الغيضتين الأخيرتين من شجرات الأرز الباقية على قيد الحياة. ولقد لجأت فرنسا إلى رؤساء الدين المحليين لمساعدتها على ذلك. وبعد ستة أشهر جاء موظف فرنسي إلى البطريرك الماروني يسأله عن مدى التقيد بالقوانين (التي فرضت لحماية الأرز). فأجابه البطريرك قائلاً: «إِنَّهُ تَقَيُّدٌ تَامٌّ، يَا كَابِتِينْ، سِوَى أَنَّ المُعَزَّى الأُرْثُوذُكْسْ لاَ تُرِيدُ أَنْ تَسْمَعَ وَلِذَلِكَ هِي تُصِرُّ عَلَى قَضْمِ الأَغْصَانِ» {انتهى قول (بيار) و (رينيه غوسيه)}.

اِسْتِفْزَازٌ وَقِلَّةُ ذَوْقٍ:

ولقد قام الفرنسيون خاصة في مناطق نفوذهم بأعمال تبشيرية استعمارية كلها استفزاز وقلة ذوق. وكان التعاون بين فرنسا وبين اليسوعيين وَالبَابَا تَعَاوُنًا وَثِيقًا جِدًّا.


(١) ص ٧٤، ٧٥.
(٢) في البيئة الشعبية، غير الغنية وغير المثقفة تثقيفًا رفيعًا.
(٣) p. ٩٧

<<  <   >  >>