[الباب الثاني: المرحلة الأولى لنمو الإنسان - أطوار الجنين]
[مدخل]
...
الباب الثاني: المرحلة الأولى لنمو الإنسان "١"أطوار الجنين
أهمية طور الجنين:
تمهيد للباب الثاني:
عندما يُسْأَلُ شخصٌ عن سنه, فإن الإجابة تتحد عادةً بيوم الميلاد, إلّا أن بعض الثقافات الشرقية تحدد سن الإنسان منذ تكوينه جنينًا في رحم الأم، ولهذا تضيف إلى عمره تلك الشهور التسعة أو نحوها التي عاشها قبل أن يولد, ويبدو لنا أن هذا الموقف الصحيح؛ فهذه الفترة التي يقضيها الإنسان في طور التكوين هي أخطر مراحل عمره على الإطلاق, وليس السبب في ذلك أن تغيرات هائلة تحدث قبل الولادة فحسب، وإنما لأن هذه التغيرات تحدث في فترة قصيرة للغاية, بعضها لا يتجاوز الأسابيع الثمانية الأولى منذ الإخصاب, ولعلنا حين نتتبع التطور المعجز للاقحة "النطفة" Zygote, التي تنتج من اندماج الحيوان المنوي للذكر مع بويضة الأنثى, والتي تتخذ صورة مخلوق أحادي الخلية محدد وراثيًّا, إلى إنسانٍ مكتملٍ في أحسن تقويم -كما يصفه القرآن الكريم، فإننا نقتنع اقتناعًا كاملًا بأن أسرع وأخطر جوانب النمو الإنساني هو ما يحدث خلال تلك الفترة، أي: فترة قبل الولادة.
وإذا سأل سائل، ولكن متى تُحْدِثُ البيئة آثارها؟ إن الإجابة مرةً أخرى على هذا السؤال, هي أن الآثار البيئية تظهر أيضًا قبل الولادة؛ فنمو الجنين لا يحدث في فراغ بيئيّ، فالرحم بيئةٌ بكل معاني الكلمة، وهو بيئة تختلف من أمٍّ لأخرى، وقد يؤثر في الوليد الذي يخرج منه أثناء الولادة, وقد تعوَّدْنَا في الماضي على النظر إلى بيئة الرحم، على أنها بيئة آمنة حامية للجنين، تعينه على التكوين والنمو واكتشاف مزيد من القوة استعدادًا للولادة, وقد نتج ذلك عن أثر كتابات القرن الثاني عشر التي وصفت الرحم على أنه وعاء فارغ محكم يختزن الجنين ويحميه من جميع الآثار الخارجية, إلّا أن البحوث الحديثة تؤكد أن درجة الأمان والحماية التي يوفرها الرحم للجنين تتوقف على عوامل كثيرة؛ منها: عمر الأم، وصحتها, وحالتها الانفعالية، ونظام تغذيتها، وأنواع العقاقير "الطبية وغيرها"