[النمو العقلي المعرفي]
يستمر النمو العقلي في المراهقة سواءً من الوجهة الكمية أو الكيفية؛ فالتغَيُّر يكون كميًّا, بمعنى أن المراهق يصبح أكثر قدرة على إنجاز المهامِّ العقلية على نحوٍ أكثر سهولة وسرعة وكفاءة من الطفل, كما أن هذا التغيُّر يكون كيفيًّا, بمعنى أنه تحدث في المراهقة تغيرات في طبيعة العمليات المعرفية تجعلها مختلفة عنها في مرحلة الطفولة.
فمع بداية مرحلة المراهقة تنمو في الفرد القدرة على التفكير باستخدام العمليات الصورية أو الشكلية Formal opertions كما يسميه بياجيه، ويُعَدُّ ظهور هذه القدرة في رأيه المرحلة الرابعة والأخيرة في النمو العقلي والمعرفي عند الإنسان, والتي يتم الوصول إليها خلال الفترة العمرية بين ١١، ١٥ عامًا، وهو رأيٌ تَعَرَّضَ للنقد في السنوات الأخيرة, وسوف نعرض لذلك في تناولنا لمرحلة الرشد.
إن المراهق والراشد -بعد ذلك- يستطيع باستخدام العلميات الصورية أن يفكر بدرجة كافية من المرونة حول العالم الذي يعيش فيه، ويتناول العموميات المجردة من حوله؛ كمفاهيم الحرية والعدالة, كما يستطيع أن يدرك الخصائص الداخلية للأشياء, ولا يقتصر عند حدود الخصائص الخارجية التي يحكمها الإدراك الحسي.
إلّا أن هذا لا يعني أن المراهق يفكِّرُ كما يفكر الراشد, وإنما يعني أن المراهق أصبحت تتوافر لديه القدرة على استخدام نفس المنحى الذي يستخدمه الراشد في حل المشكلات.
وكلٌّ من التفكير باستخدام العمليات الصورية, والتفكير باستخدام العمليات العيانية "في الطور السابق", يعتمد على العمليات المنطقية, والفرق الجوهريّ بينهما: أن التفكير العياني يرتبط بالموقف الراهن والخصائص المحسوسة في البيئة، أما التفكير الصوري فيتعامل مع المشكلات المجردة واللفظية, سواء أكانت حقيقية أم مفترضة، وسواء في الحاضر أو الماضي أو المستقبل؛ فالتفكير الصوري يحرر تفكير المراهق -ثم الراشد فيما بعد- من المحتوى النوعي الخاص للمشكلات.
والتفكير الصوري هو عملية "من مستوى رفيع", ويتسم بالخصائص الخمس الآتية:
١ - الاستدلال المجرد: بالطبع تنمو لدى الأطفال -قبل مرحلة المراهقة- القدرة على التعميم قبل سن ١١ سنة, إلّا أنَّهم لا يكونون مستعدين لفهم الخصائص المجردة مثل التطابق والكتلة, ومع بلوغ المراهقين سن ١٥ سنة يمكن لمعظمهم التعامل مع معظم هذه المفاهيم، ومنها المفاهيم الفلسفية؛ مثل الديمقراطية والحق والعقيدة وغيرها, بل قد تكون لديه مشاعر واتجاهات نحو المفاهيم والأفكار, وليس مجرد الأشياء والأشخاص.