للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

(ونحن إذا تدبرنا عامة ما جاء في أمر الدين من ذكر صفات الله، وما تعبد الناس باعتقاده من ذكر عذاب القبر، وسؤال منكر ونكير، والحوض، والميزان، والصراط، وصفة الجنة وصفة النار، وجدناها أمورًا لا ندرك حقائقها بعقولنا، وإنما ورد الأمر بقبولها والإيمان بها، فإذا سمعنا شيئا من أمور الذين، وعقلناه، وفهمناه، فلله الحمد في ذلك، والشكر ومنه التوفيق، وما لم يمكنَّا إدراكه ولم تبلغه عقولنا آمنا به، وصدقناه، واعتقدنا أن هذا من قبل ربوبيته وقدرته، واكتفينا في ذلك بعلمه، ومشيئته، قال تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاء} ٢١.

(واعلم أن فصل ما بيننا وبين المعطلة هو "مسألة العقل"، فإنهم أسسوا دينهم على المعقول، وجعلوا الاتباع والمأثور تبعًا للمعقول) .

وأما أهل السنة فقالوا: الأصل في الدين الإتباع، والمعقول تبع، ولو كان أساس الدين على المعقول لاستغنى الخلق عن الوحي، وعن الأنبياء، ولبطل معنى الأمر والنهي، ولقال من شاء ما شاء) ٣.

فالتقرير بأن النقل مقدم على العقل لا ينبغي أن يفهم منه أن أهل السنة ينكرون العقل والتوصل به إلى المعارف والتفكير به في خلق السموات والأرض، وفي الآيات الكونية الكثيرة، فأهل السنة لا ينكرون استعمال العقل، ولكتهم توسطوا في شأن "العقل" بين طائفتين ضلتا في هذا الباب، هما:

أهل الكلام: الذين يجعلون العقل وحده أصل علمهم، ويفردونه،


١ الآية ٢٥٥ من سورة البقرة
٢ الحجة في بيان المحجة ١/٣٢١ بتصرف
٣ المصدر السابق ١/٣٢٠

<<  <   >  >>