والعقل يراد به العلم، ويراد به العمل، فالعلم والعمل الاختياري أصله الإرادة، وأصل الإرادة في القلب، والمريد لا يكون مريدًا إلا بعد تصور المراد، فلابد أن يكون القلب متصورًا، فيكون منه هذا وهذا، ويبتديء ذلك من الدماغ وآثاره صاعدة إلى الدماغ، فمنه المبتدأ وإليه الانتهاء.
وكلا القولين له وجه صحيح"١.
ثالثًا: الإيمان بما دلت عليه نصوص الأسماء والصفات من المعاني والأحكام.
فالسلف يؤمنون بأسماء الله وصفاته، وبما دلت عليه من المعاني والأحكام، أما كيفيتها فيفوضون علمها إلى الله.
وهم برآء مما اتهمهم به المعطلة الذين زعموا أن السلف يؤمنون، بألفاظ نصوص الأسماء والصفات، ويفوضون معانيها.
وهذا الزعم جهل على السلف، فإنهم كانوا أعظم الناس فهما وتدبرًا لآيات الكتاب وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، خاصة فيما يتعلق بمعرفة الله تعالى، فكانوا يدرون معاني ما يقرأون ويحملون من العلم، ولكنهم لم يكونوا يتكلفون الفهم للغيب المحجوب، فلم يكونوا يخوضون في كيفيات الصفات شأن أهل الكلام والبدع، فإنهم حين خاضوا في ذات الله وصفاته وقعوا في التأويل والتعطيل، وإنما ألجأهم إلى ذلك، الضيق الذي دخل عليهم بسبب
١ رسائل في العقل والروح ٢/٤٨- ٤٩ (مطبوعة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية)