للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن دفع "إقبال" هذا الإنسان السلبي الضعيف للعمل في الحياة، فليدفعه بقوة، وليجعل الدافع له قوته الذاتية ... قوته الفردية التي يستمدها من ذاته هو، فهي قوة بنائية، قوة خالقة دافعة ... لا يضعف هذه القوة الذاتية فيه أثر من آثار الجماعة؛ إذ هو منشئ الجماعة.

وعندئذ يبدو "إقبال" في جانب الفرد -أو في جانب الذاتية الفردية- أنه تأثر بـ"هيجل" في فكرته التي تقوم على "أنا" وبـ"نيتشه" في فكرته التي تقوم على تمجيد القوة, وقوة الفرد وحدها، وبـ"فيشته" في فكرته في استناد الجماعة إلى الفرد وعمله".

- ولكن "إقبال" في ذلك كله لم يكن إلا مسلما أولا ...

- ومفكرا غربيا في الصياغة والمنهج ثانيا.

إن الذاتية الفردية في الإسلام لها قيمتها ولها استقلالها، ولم تذهب في علاقة ما، ولا تفنى بحال فيما سوها: فلا الأسرة، ولا الجماعة، ولا الدولة بطاغية -في نظر الإسلام- على هذه الذاتية ولا على استقلالها، بل إن علاقة ذات بأخرى في نظر الإسلام، هي تنظيم للصلة بينهما، وليست لمحو الفوارق والخصائص والحقوق الفردية التي لكل واحد منهما، ولا يمحو قيام الأسر ملكية الذات الفردية، ولا حقها في التعبير عن الرأي، وحقها في الاعتقاد، ولا يمحو قيام الدولة حق نقد الفرد للدولة وحق مخالفتها، إن كانت هناك الملابسات التي حددها الإسلام لنقد الجماعة ومخالفتها.

إن الجماعة في الإسلام، هي في واقع أمرها وحدات ذات صلة بعضها ببعض وقوة الجماعة في قوة وحداتها وأفرادها، والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف.

إن القرآن إن تحدث عن الجماعة، تحدث عن المؤمنين كأفراج تربطهم رابطة الإيمان بالإسلام ... فـ"أنا" الذي يبدو عند "إقبال" هو في الإسلام أولا، و"قوة" الفرد وقوة ذاتيته التي يؤكدها "إقبال" هي قوة المؤمن في الإسلام أولا، وتكوين الفرد للجماعة وللتاريخ معا، هو نظرة الإسلام إلى الفرد أولا.

ثم صحبت كل هذه الآراء الإسلامية الصياغة الفلسفية الغربية.

<<  <   >  >>