للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ب- وإن تحدث "إقبال" عن عالم الطبيعة، وخفف من "شريته" و"نجسه" أو حاول أن يرفع منه الشر والنجس، ويجعله مجالا طاهرا للحركة والسير ... ويطلب إلى المسلم، أن يسيطر عليه في كشفه والوقوف عليه والإفادة منه, فإنه يفعل ذلك ليقضى على تهيب هذا المسلم وخوفه من الحياة؛ ليزيل من نفسه صورة "الفرار" التي تركتها الصوفية الإشراقية أو العجمية في الفكر الإسلامي، كما يقول "إقبال".

إنه لا يطلب من المسلم أن يقتحم الطبيعة في كشفها ويسيطر عليها ويفيد منها إلا بدافع من الإسهام، لا بدافع من فلسفة "كومت" ... إنه إذ يصور الطبيعة للإنسان المسلم على أنها "تجلي الله" أي: على أنها ليست مادة ميتة، بل هي تتابع من أحداث الخلق, يستوحى في هذا التصوير كتاب الإسلام قبل كل شيء. فإنه لا يطلب من المسلم عن طريق "التجربة" أن يفر ويسكن في جزئيات الطبيعة ... إنه يطلب منه عن طريق التجربة أيضا، أن يصعد إلى "الذات الكلية". وبذلك يربط بين أصل الوجود من جانب، ومظهره من جانب آخر، أو يربط بين الحقيقة الكلية وتجليها ... إنه في ذلك يتبع كتاب الإسلام إذ يقول: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} ١.

فالقرآن إذ ينهى الإنسان عن قصد الفساد في الأرض، يعتبر الطبيعة ليست فسادا في ذاتها.

وإذا ينصحه بالمشاركة في الدنيا وأخذ حظه منها، يعتبرها مجالا لنشاطه وحيويته ...

وإذ يذكره في الوقت نفسه بالدار الآخرة، وبأن هذا التوجيه جميعه من الله جل شأنه: فذلك لكي يكون على علم بحقيقة الوجود كله، حتى لا تقلق نفسه من أجل المال وحده، وتكافح في سبيله خاصة.

جـ- وإن لجأ "إقبال" إلى "وحدة" الوجود، فلا يلجأ إلى فكرة "اتحاد" الوجود القائمة على "فناء" وذهاب الفردية والذاتية للإنسان في "الحقيقة الكلية":


١ القصص: ٧٧.

<<  <   >  >>