للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يلجأ لوحدة الوجود ليدفع فقط المسلم السلبي المعاصر إلى أن يمارس نشاطه في الحياة في قوة واطمئنان، إذ إن وحدة الوجود في نظره هي "عدم المغايرة" التامة بين الله والعالم الطبيعي؛ وبذلك يرفع في تصور المسلم "ثنائية" الاعتبار في الوجود، التي ترتبت عليها نظرية الكراهية والتوجس إلى عالم الواقع والطبيعة؛ أي: إلى عالم الدنيا ...

لقد أراد "إقبال" بوحدة الوجود المزاوجة بين الروحية والواقعية، وأرا بها في عالم الإنسان المزاوجة بين الدين والدولة، فالفصل -في نظره- بين الله وعالم الطبيعة هو الفصل بعينه بين الدين والدولة في عالم الإنسان، والفصل هنا وهناك بعيد عن الإسلام؛ لأن الحقيقة في الإسلام واحدة, إن نظرت إلى أصلها كانت الله والروحانية، وإن نظرت إلى مظهرها كانت العالم المادي الواقعي، وتحقق الروحانية هو تحقق العالم ووقوعه. وكذلك تعاليم الإسلام، هي روحانية ودين طالما لم تخرج إلى نطاق التنفيذ العملي في الحياة، وهي دولة وحكومة في تنفيذها فالدولة في الإسلام هي الصورة التنفيذية للروحانية الدينية فيه.

وإقبال أراد بتجديد الفكر الديني في الإسلام، أن يعيد "التوازن" الذي هو رسالة الإسلام ...

كانت هناك -فيما صور به الإسلام- نفرة بين الحياة الطبيعية والعمل فيها. وكان بجانب النفرة تواكل وتراخ من الإنسان، فعلى الإنسان المسلم الآن أن يعتبر الحياة متنفس نشاطه، وعلى الإنسان المسلم الآن أن يعمل فيها. وسعادته في اعتبار الحياة متنفس نشاطه والعمل فيها تبعا لذلك.. ولكن لا على أن ينتقل مما هو فيه ليقر فيما يطلب إليه وحده، فلا يتحرك بمعرفته وراء حدود الطبيعة التي يمارس الآن نشاطه فيها، بل يجب عليه -كما يعرف هذه الطبيعة- أن يعرف أصلها الذي خرجت عنه، وهو الله أو الذات الكلية.

... نعم، يلاحظ على تفكير "إقبال":

- أنه في محاولته شرح استمرار العالم، أو شرح خلوده وبقائه، يرتفع في هذا الشرح عن المستوى الديني الذي يصوره الإسلام نفسه، وبذلك يبعد في تفسير النصوص التي استعان بها عن مدلولاتها الطبيعية التي تلائم هذا المستوى ...

<<  <   >  >>