للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا جعل "البعث" فترة "لجرد البضائع" وربط "الدار الآخرة" بـ"الدار الدنيا" في حياة الإنسان، على أن "الآخرة" مرحلة استئناف لنشاط الإنسان في "الدنيا" فإنه يثير تساؤلا عن "التكليف" من قبل الشرع ومدته أهو في الدنيا والآخرة معا؟

وتفسيره الخلود في النار عندئذ في قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا} ١ بأن حقبة وفترة ما، يعطي بعدها الإنسان فترة أخرى "للبقاء" أي: للعمل الذي يدعو لبقاء الإنسان وخلوده, يرشح أن الإنسان في نظر "إقبال" مكلف في الدارين معا، وأن تكليفه من قبل الشرع مستمر هنا وهناك ... وبهذا تكون "الدنيا" والآخرة سواء في طبيعتهما وفي الهدف منهما.

ولكن الإسلام ينظر إلى الدنيا على أنها دار ابتلاء وامتحان، وينظر إلى الآخرة على أنها دار قرار وسكون، أي: دار ينقطع فيها الامتحان والاختبار، يقول الله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} ٢ ويقول: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} ٣.. فالدنيا وحدها هي دار "الفرصة" للعمل، وبموت الإنسان تذهب منه هذه الفرصة، كما يوحي ظاهر هذا النص، وهذا الظاهر هو الذي يلائم المستوى الديني، أو هو الذي يلائم طبيعة الدين كرسالة سماوية، جاءت محددة وقت العمل للإنسان. ومحددة أيضا اختيار اتجاه الإنسان في الحياة.

- كما يلاحظ على "إقبال" أنه يقف في تفسيره لبعض آيات القرآن، عند الحد العلمي لمدلول اللفظ ... على نحو ما يرى في قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} ٤، فهو يفسر "الروح" هنا بالنفس الإنسانية، وبأن وظيفتها للتدبير، أخذا من قوله تعالى: {مِنْ أَمْرِ رَبِّي} ٥ ... مع أن المقصود بالورح كتاب الهداية وهو القرآن؛ إذ القرآن كان موضوع الحديث قبل هذه، على نحو ما يقول جل شأنه: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} ٦.


١ البقرة: ١٦٢ وسور أخرى.
٢ آل عمران: ١٧٩.
٣ آل عمران: ٩١.
٤ الإسراء: ٨٥.
٥ المصدر السابق: ص١١٨.
٦ الإسراء: ٨٢.

<<  <   >  >>