للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الروحية يرتقي في سلم الوجود درجة درجة إلى أن يبلغ كماله في الإنسان ... وهذا هو السر في تصريح القرآن: أن الله، أو الذات القصوى، أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد"١.

كما قد يندفع في هذا التفسير إلى رأي لا يرضى هو عنه بعد ذلك، فيقول: "والذات الأولى التي تجعل المولود يتولد، حاضرة في الطبيعة حالة فيها، يصفها القرآن بأنها: {الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} ٢ ... فتفسيره الأول والآخر، والظاهر والباطن على هذا النحو، يختلط على الأقل بفكرة "الحلول" التي تعرف للصوفية الإشراقية أو العجمية، والتي استبعدها "إقبال" نفسه, عند شرحه لـ"وحدة الوجود"، كما رأينا فيما سبق.

ولعل "إقبال" بشرحه الفلسفي أو العلمي لبعض آيات القرآن، يحاول فقط أن يوضح حقائق قديمة في ضوء الأفكار الجديدة، كما يعبر عن ذلك بقوله: "القرآن المجيد ليس كتاب فلسفة أو إلهيات، ولكن فيه هدى إلى مقاصد الحياة ورقيها، وفيه أصول فلسفة يقينية، ولو أن مسلما متفلسفا بَيّن المسائل القرآنية في ضوء الأفكار والتجارب الحديثة, ما صح اتهامه بأنه يقدم شرابا جديدا في زجاجة قديمة, كما يقول "مستر دكسن": "أنا لا أعرض أفكارا جديدة في ثياب قديمة، ولكن أبين حقائق قديمة في ضوء الأفكار الجديدة"٣ ... وهو رأيه الذي أعتقد أنه عن طريقه يستطيع أن يبقى المسلم في دائرة إسلامية، ويسهم في الحقائق الواقعية، لا بتوجيه مدرسة فكرية غربية بل بتوجيه الإسلام وحده.

- على أن الشيء الذي يبدو فيه ضعف "إقبال" ثقته ببعض الحركات الإسلامية الحديثة, على أنها تمثل التجديد الفكري في الإسلام, وعلى أنها تمثل الوثبة المطلوبة للعالم الإسلامي أن يقتدي بها، وربما لم يدرس "إقبال" نفسه هذه الحركة من مصدارها، بل قرأ عنها من وصف المستشرقين إياها، فصدق ما وصفوا. والمستشرقون إن وصفوا شيئا في الإسلام أو في الحركات الإسلامية على أنه حسن؛ فلأنه يصادف غرضا خاصا، يتصل بإضعاف الإسلام والجماعة الإسلامية ...


١ المصدر السابق: ص٨٥.
٢ المصدر السابق: ص١٢٢, والآية من سورة الحديد: ٣.
٣ محمد إقبال: سيرته، وفلسفته، وشعره: ص١٢١.

<<  <   >  >>