للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يمكن للجماعة الإسلامية أن تعود إلى الوحدة أو على الأقل إلى التماسك أو عدم التضارب في الآراء والسياسة.

ولكن المستشرقين عندما وقفوا على هذه الفكرة ورأوا أثرها الإيجابي في حياة الجماعة الإسلامية المقبلة لو سارت في طريقها الصحيح المرسوم لها، مالوا بها عن هذا الطريق، وشرحوها بأن معنى العودة إلى القرآن وإلى عصر الصحابة الأول -رضوان الله عليهم- هو الرجوع إلى الحياة البدائية التي كانت للجماعة الإسلامية الأولى: فهي عندهم ليست سوى جماعة بدائية! ثم تراهم ينكرون على من يقول بهذه الفكرة أن يدعو إلى الإصلاح، إذ الإصلاح في نظرهم هو التطور، هو الأخذ بأساليب المدنية الحديثة والقوانين المعاصرة وأسلوب الحكم الحديث، فإذا طلب إنسان العودة إلى العهد البدائي والأساليب البدائية باسم الإصلاح، فهو إما مدع للإصلاح، أو غير فاهم لمعنى الإصلاح!

وإذا ترك أصحاب الدراسات الإسلامية من المستشرقين دائرة شرح المبادئ الإسلامية بما يحرفها ويشوه هدفها على هذا النحو، فإنهم يتركونها إلى جانب آخر رئيسي في الحياة الإسلامية وفي صلات المسلمين بعضهم ببعض.. إنهم يتركون هذه الدائرة لينتقلوا إلى مجال العلاقات بين الشعوب الإسلامية، ليذكوا الفرقة القائمة، وليثيروا أسباب أخرى للقطيعة وعدم الاتصال. فيتحدثون عن الكرد والعرب في العراق، وعما بين الجنسين من فوارق في تصور الحياة وفهم العقيدة والأماني القومية. وعلى هذا النحو يتحدثون عن المفارقات بين العرب والبربر في شمالي إفريقيا، وبين سكان الشمال وسكان الجنون في السودان، وبين السنة والشيعة في بغداد أو في إيران والبلاد الإسلامية الأخرى، وعلى الأخص يتحدثون عن العداء بين شعب الجزيرة العربية, وما يسود فيها من مذهب محمد بن عبد الوهاب من جانب، وشعبي العراق وإيران وما يسود فيهما من اتجاه شيعي من جانب آخر.. يتحدثون عن الفجوة بين الحكومات والسياسات في الدول الإسلامية ... إلخ إلخ.

وإذا أكدوا ذلك باسم علم الأجناس، أو باسم طبيعة الشعوب، فإنهم يخلقون هوة أخرى في الإسلام باسم تباين البيئة الجغرافية والعوامل الثقافية القديمة للشعوب الإسلامية، فالإسلام في نظرهم ليس واحدا وإنما هو متعدد،

<<  <   >  >>