للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان واحدا أيام الفترة البدائية -هكذا يقولون- التي نزل فيها الوحي وتوقف فيها المسلمون عن الشرح وسلموا أمرهم لمبدأ "التفويض" وركزوا جهودهم للإيمان والطاعة، ولكن بعد أن تدخل المسلمون بالشرح، وأدخلوا ثقافتهم القديمة ونزعاتهم الموروثة في شرح القرآن وتعاليم الإسلام، لم يعد الإسلام دينا واحد١. بل هو ديانات إسلامية متعددة، وكلها ديانات ليس لها الطابع الإسلامي بل ليس لها الاعتبار الديني الإسلامي كذلك فهناك إسلام الهند، وإسلام تركيا، وإسلام البربر في شمالي إفريقيا، وإسلام مصر، وإسلام الملايو، وإسلام أندونيسيا وإسلام الصحراء الكبرى وإفريقيا السوداء.. وكل إسلام يختلف عن الآخر، ولكل اعتباره، والجميع مسلمون، وأفهامهم في الإسلام أفهام صحيحة، إذ كلهم أخذ بالمصادر الإسلامية وآمن بالرسالة المحمدية..هكذا يستطرد منطقهم.

وفي هذا الشرح يدخل -بجانب إيجاد ثغرات وفجوات بين المسلمين بعضهم البعض- عامل آخر: وهو عامل التأثر بالمسيحية وبالاتجاه المسيحي. فكثير من العلماء المسيحيين يرون أن المسيحية دين فردي، أو دين شخصي، أو أنه يتكيف حسب الفرد ويتأثر بشخصه، أي: ليست المسيحية دينا يتكون من مبادئ، وإنما هي شعور فردي، وإحساس شخصي بالأصول المقدسة. إن الوحي المسيحي ليس كتابا يتلى ويشرح، بل هو "عيسى" نفسه تستحضر صفاته ويقتدى به في نفس المؤمنين حسب اختلافهم في إدراك هذه الصفات، وحسب اختلافهم في تحديدها، فالمسيحية -لأنها إحساس وشعور فردي- ليست واحدة في التصور والتبعية، ومع ذلك فالمؤمنون بعيسى جميعا مسيحيون مهما اختلفوا فيما بينهم.

وبهذا التصور للمسيحية تأثر هؤلاء في الحكم على الإسلام، بالإضافة إلى الرغبة في إضعاف القيم الإسلامية وتفريق المسلمين، ولذلك لم يروا أن تاريخ الجماعة الإسلامية هو تاريخ لعلاقة المسلمين في أزمنتهم المختلفة بالإسلام الذي تحددت أصوله واستقرت مبادئه بانتهاء الوحي المحمدي: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا} ٢ ولم يفهموا أن الزمن الذي يمر بالمسلمين هو زمن يمر على علاقتهم بالإسلام


١ يروج هذه الفكرة المستشرق الكندي Wilfred Smith في كتابه: "الإسلام الحديث في الهند" باللغة الإنجليزية في سنة ١٩٤٦.
٢ المائدة: ٣.

<<  <   >  >>