للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس على الإسلام كدين وكرسالة من رسالات السماء.. بل جعلوا الإسلام نفسه يتطور، ويضيف جديدا إلى مبادئه بمرور الزمن، تحت تأثير الأحداث المحلية والعالمية، ومن هنا ينصحون المسلمين بعد التمسك بالماضي البعيد أو القريب في تاريخ الإسلام، وإنما عليهم أن يصوغوا الإسلام صياغة جديدة، ويبلوره في صورة تلائم المدنية الإنسانية القائمة، إذ ما صلح للماضي لا يصلح للحاضر؛ لأن صلاحيته كانت مؤقتة ومقيدة بظروف العهد الذي ولى!! والمدنية الإسلامية في تطورها هي التي تملي على المسلمين تكييف الإسلام. ومعنى ذلك أن الإسلام الأول -ومنه فهم المسلمين الأول للقرآن- قد انتهى اعتباره، والزمن وحده هو العامل الأساسي في صياغة الإسلام صياغة جديدة، وفي جعل المسلمين يسايرون المدنية الحديثة، بما فيها من قانون، ومثل عليا للحياة، ونظم للحكم، وأسس لبناء الجماعة وعلاقة الشعوب بعضها ببعض، والإسلام كدين ليس مبادئ إذن، بل هو مجرد نزعة إلى تحسين الإنسان والعمل على صفاء نفسه.

وكما أن الإسلام ليس واحدا، إنما هو متعدد حسب تعدد شعوبه وحسب اختلاف العوامل الثقافية التي تأثر بها مسلمو هذه الشعوب في فهم القرآن. كذلك هو متعدد حسب طوائف المسلمين, فهناك إسلام المتصوفة وإسلام الفقهاء، ومتعدد حسب مصادره, فهناك إسلام القرآن الذي يختلف عن إسلام الحديث والسنة، ويجب أن يمنح الاعتبار للجميع، مع ما قد يكون -وكثيرا ما يكون- بين بعضها بعضا من اختلاف يصل إلى درجة التناقض، إذ إن جميع هذه الأنواع من الإسلام حقائق تاريخية سجلها التاريخ للمسلمين في صلتهم بدينهم وهو الإسلام.

وهاتان الفكرتان: وهما فكرة تجدد الإسلام تبعا لأحداث الزمن وتوقيت بعض أحكامه ومبادئه، وفكرة تعدده كديانات حسب الشعوب المؤمنة به أو حسب طوائفه ومصادره, فكرتان لهما كثير من السيادة والسلطان على اتجاه كثير من المسلمين اليوم في مصر وخارج مصر في البلاد الإسلامية، وبلغ من تأثيرهما على متعلمي الشرق الإسلامي أن وجدنا عددا من المشتغلين بعرض الثقافة الإسلامية يروج لهما، ويدعو إليهما بطرق متعددة.

وتكييف المستشرقين الإسلام على أنه نزعة روحية إلى تحسين الإنسان والعمل على صفاء نفسه، يستتبع أيضا إبعاد الإسلام عن مجال علاقات الأفراد بعضها ببعض في نظام عام، يعبر عنه بالدولة أو الأمة

<<  <   >  >>