المقتبسة من التجربة ما لا يوصف «١» ، وأنا مع ذلك أختلف إلى الفقه، وأناظر فيه، وأنا في هذا الوقت من أبناء ست عشرة سنة، ثم توفرت على العلم والقراءات سنة ونصف، فأعدت قراءة المنطق، وسائر أجزاء الفلسفة، وفي هذه المدة ما نمت ليلة واحدة بطولها، ولا اشتغلت في النهار بغيره، وجمعت بين يدي ظهورا فكل حجة أنظر فيها أثبت مقدمات قياسية «٢» ، ورتبتها في تلك الظهور، ثم نظرت فيما عساها تنتج، وراعيت شروط مقدماته حتى تحقق لي حقيقة الحق في تلك المسألة، وكلما كنت أتحير في مسألة ولم أكن أظفر بالحد الأوسط في قياس ترددت إلى الجامع، وصليت، وابتهلت إلى مبدع الكل، حتى فتح لي المنغلق، وتيسر المتعسر «٣» .
وكنت أرجع بالليل إلى داري، وأضع السراج بين يدي، وأشتغل بالقراءة والدرس، والكتابة، فمهما غلبني النوم، أو شعرت بضعف، عدلت إلى شرب قدح من الشراب، ريثما تعود إليّ قوّتي، ثم أرجع إلى القراءة، ومهما أخذني أدنى نوم، أحلم بتلك المسائل [بأعيانها] اتضح لي وجوهها في المنام «٤» .
وكذلك حتى استحكم معي جميع العلوم، ووقفت عليها بحسب الإمكان الإنساني. وكل ما علمته في ذلك الوقت فهو كما علمته الآن ولم أزدد فيه إلى اليوم، حتى أحكمت علم المنطق والطبيعي، والرياضي، ثم عدلت إلى الإلهي، وقرأت كتاب" ما بعد الطبيعة" فما كنت أفهم ما فيه، والتبس عليّ غرض