كأنها لأجل عموم الخيل بها سمى كل منها لأجل ذلك سابح، كلما قلت هذا بحر قد قطعناه أعرض لنا جبل، وكلما لنا هذا جبل قد طلعناه بان لنا واد، يشتهون دون الهوى فيه نفاد الأجل. ثم وصلنا إلى كوك صو، وهو النهر الأزرق الذي رد الملك الكامل منه سنة الدربندات، لما قصد التوجه إلى الروم، وللوقت عبرنا ركضا وأعجلت الخيل، فما درت هل خاضت لجة أم قطعت أرضا، وبات الناس من بر هذا النهر الآخر، وأصبحوا متسللين في تلك الشم، ووقع السنابك يسمع من تلك الجبال الصم، حتى وصلوا إلى أمجاد دربند، فما ثبتت يد فرس لمصالحة صفاها، ولا بغلة لمكافحة رحاها، ولا رجلة لمطارحة قواها.
وتمرنت الخيل على الاقتحام والازدحام في التطرق وتعودت ما تعودت الأوعال في الأوعار من الشرب والتسلق تنحط انحطاط الهيدب، وترتفع ارتفاع الكوكب، حتى حصل الخروج من منتهى الدربند، وبات السلطان في وطاة هناك، وسمحت السحب بما شاءت من برد وبرد (المخطوط ص ١٤٢) ، وجاءت الريح بما ألم الجار، واستنفذ الجلد، وانتشرت العساكر حتى ملأت المفاوز، وملكت الطرق على المار، وأخذتها على الجائز، وقد تقدم سنقر الأشقر في الجاليش [١] فوقع على ثلاثة آلاف فارس من التتار، مقدمهم كراي، فانهزموا من بين يديه، وأخذ منهم من قدم للسيف السلطاني، فأكل تهمته وأمتار، واستمرت تلك منه فيمن يؤخذ من التتار، ويؤسره، وبات التتر على أجمل ترتيب ونظر، وبات المسلمون على أجمل تيقظ وحذر. فلما كان يوم الجمعة عاشر ذي القعدة تتابع الخبر بعد الخبر، بأن القوم قد قربوا، وأنهم تأبوا ووثبوا، ووصى السلطان جنوده في التثبت على ما يجب، وأراهم من نور رأيه ما لا يحتجب.
وطلعت العساكر من جبال مشترفة على صخرات منا من بلد ابلستين، وكان العدو ليلته تلك بايتا على نهر زمان، وهو أصل نهر جهان، وأصل اسمه جيحان،
[١] الجاليش: هم جماعة مقاتلة وهي جالش (فرهنگ رازي ٢١٣) .