وإنما خرج إلى المسجد ومعه من يحمل سراجا بين يديه، ثم إنه حمل بين يديه ما فيه الرطل والمن، وكان إذا أراد قراءة الكتب أو كاتبها أحضر شمعة في تور «١» ، ثم إذا فرغ رفعها، وكان لا يرى إلا الاقتصاد في كل أموره، والاقتصار على الضروري الذي لابد منه، وكان أبو عبيد الله الكاتب يقول: كان المنصور يعطي الناس في حق، وأعلمهم «٢» بحرمه، وأشدهم شكيمة على عدو، وكان أمره جدا كله، وسمع المنصور جلبة في داره، فقال: ما هذا؟ فاذا خادم له قد جلس وغلمة حوله وهو يضرب لهم بطنبور «٣» وهم يضحكون منه، فأخبر بذاك، فقال: وما الطنبور؟ فوصفه [ص ١٠٩] له عماد التركي، فقال له: وما يدريك به؟ فقال: رأيته بخراسان، فقال: نعم، ودعا بنعله وقام يمشي رويدا حتى أشرف على الغلمان، فلما أبصروه تفرقوا، فقال: خذوا الخادم فاكسروا ما معه على رأسه، ثم قال: يا ربيع، أخرجه من قصري، وابعث إلى حمران النخاس حتى يبيعه، فوجه به الربيع من ساعته فبيع.
وعن رجل من حشم المنصور قال: كان المنصور يقسم علينا الأرزاق وما في الخزائن حتى القانيد «٤» والدرياق «٥» ، وركب المنصور يوما نحو باب قطربل «٦» حتى دخل من ناحية باب حرب «٧» ، فأساء بعض أحداث مواليه، وسار في ناحية