للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أشار بيده وقبض أصابعه كالجمع، قال قائل: إن هذا الحديث يدل على كراهة صوم الدهر، أقول: إن هذا القول باطل فإنا لو سلمنا بالفرض أن صوم الدهر مكروه فلا يرد هذا الوعيد عليه فإن شأن هذا الوعيد شأن أكبر الكبائر، وقال قائل: إن المراد أن جهنم ضيقت عنه وتبعد عنه ولا تقربه، وقالوا: إن «على» بمعنى «عن» أقول: إن مراد الحديث بيان فضل صوم الدهر قطعاً، ولا احتياج إلى ما ارتكبوا من المجاز في على بل تبقى على على حالها، ويدل الحديث على الوعد العظيم ولا يمكن إدراكه إلا لمن له حذاقة بالعربية، ويؤيد قول القائل الثاني ما في الحديث: «أن المؤمن إذا يمر على جهنم فتصيح جهنم أن أسرع فإنك أطفأت ناري» إلخ ثم لأحد أن يقول: إن في حديث فتح الباري ومسند أحمد لا يجب أن يكون هو صوم الدهر التحقيقي بل لعله صوم داودي أو صوم الدهر التنزيلي والله أعلم. ثم أقول: إن صوم داود أفضل من صوم الدهر ووعده أعظم، ثم حديث الباب «لا صام ولا أفطر» يمكن في ظاهر الصورة أن يقال: إن مراد لا صام أنه لا يمكن له التعهد على صوم الدهر ولا يداوم عليه فكأنه لا صام، وفي الحديث: «أحب الأعمال أدومها» وأما عدم التعهد على صوم الدهر فيدل عليه فعل عبد الله بن عمرو بن العاص فإنه ندم على عدم اختياره رخصته، ونظير ما قلت في بيان ظاهر الصورة ما في بعض أحاديث جوامع الكلم: «إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ـ أي اعمل بالرخص ـ أيضاً فإن المنبتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى» ، إلخ فمضمون هذا وتركيبه مثل حديث الباب، وقال قائل: إن في فضل صوم الدهر أحاديث كثيرة فإن إحالته الأيام البيض وستة شوال على صوم الدهر يدل على فضل صوم الدهر وأنه عبادة عظيمة، وأما سرد الصوم فهو الصوم متوالياً مع الفطر على حينه أي على كل مغرب لا يجب فيه إكمال السنة كلها، فسرد الصوم أعم من صوم الدهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>