للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (من ينح عليه إلخ) هاهنا إشكال بأن حديث الباب يخالف نص القرآن: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: ١٥] الآية فروي عن عائشة أن قوله في هذا الحديث إنما هو جنازة يهودية مر عليها والناس يبكون، فقال: إنهم يبكون عليها وهي معذبة؛ أي على كفرها لا بسبب بكائهم، فغلطت عائشة قول ابن عمر، لكن المحدثين لا يقبلون تغليط عائشة فإن بعض الصحابة الآخرين أيضاً يروون مثل رواية ابن عمر، ففي شرح الحديث أقوال كثيرة؛ في فتح الباري وقال البخاري: إنه يعذب على فعله لا بسبب فعلهم، وقال: إنه إذا أوصل بالنوحة عليه أو كان يرضى بها أو كان يعلم أن يبكوا عليه فلم ينههم فعليه وزر فعله وإلا فلا وزر عليه ولا عذاب، وقال ابن حزم الأندلسي وهو أعلى الشروح في حديث الباب: إنهم يبكون على أفعال يزعمونها حسناته والحال أنها تكون سيئات فيعذب على تلك السيئات، ويقال له: أهكذا أنت؟ كما يُبْكَى على أنه كان شجاعاً لا يدع النفس إلا ويقتلها، ويؤيد شرح ابن حزم الحديث اللاحق عن أبي موسى.

قوله: (العدوى إلخ) في حديث الباب نفي العدوى، وفي مسلم «فرّ من المجذوم» إلخ فقال جماعة: إن الحديث ينفي الأسباب الطبيعية لا العادية كما ذكره في شروح النخبة تحت بحث التعارض، أقول: ما مراد الأسباب الطبعية فإن كان المراد ما قال الفلاسفة الطبيعيين وهو أنهم ينكرون الباري، ويقولون: لا شيء إلا المادة والصورة كما صرح به محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في الملل والنحل، ولا ينكر الفلاسفة الإلهيون الباري، ويزعم الناظر أن الطبيعين لا ينكرون الباري فإن الفلاسفة المتأخرين جمعوا الطبيعات والإلهيات في كتاب واحد، ويزعم أن قائل الطبيعات والإلهيات فرقة واحدة، والحال أن الطبعيين فرقة غير فرقة الإلهيين، فإن كان المراد من الأسباب الطبعية هذا فلا يتعرض الشريعة إلى دفعها فإن أحداً من كفار العرب لا ينكر الباري لنص القرآن، وإن كان النفي نفي الطبعية إن الأشياء ليست بمؤثرة كما قال الأشعري: فتحولت المسألة إلى علم الكلام؛ فأقول: مذهب أبي الحسن الأشعري أن السببية ليست ذاتية، وقال: إن العالم مثل أشياء اجتمعت في مكان واحد

<<  <  ج: ص:  >  >>