طلب البائع فليس الفرق عندنا قبل البدو وبعده، والحال أن في كثير من الأحاديث قيد قبل البدو، وجوابنا عن الحديث بوجهين ذكرهما الطحاوي؛ أحدهما أن البيع المذكور في الحديث بيع السلم لا المطلق ويجب فيه بدو الصلاح عندنا أي يكون المعقود عليه في السلم موجوداً من حال العقد إلى وقت الأداء في الأسواق، ووجوده في الأسواق إنما يكون بعد الأمن من العاهات، وأما دليل التقييد بالسلم فما في الصحيحين وغيرهما: أنه لما دخل المدينة وجد الناس يسلمون إلى سنة وسنتين فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فليسلم أحدكم إلى أجل معلوم في كيل معلوم» في عدد معلوم في وزن معلوم» فدل على أن بدو الصلاح في السلم شرط فتحمل الأحاديث الساكتة على الناطقة، والجواب الثاني تسليم أن البيع بيع مطلق لكنه بشرط القطع، وأما النهي قبل البدو فنهي شفقة، وأخرج الطحاوي على هذا حديث زيد بن ثابت أخرجه البخاري أيضاً، ثم أقول: إن حديث النهي محمول على ما كان بالإطلاق لا شرط القطع، فإن الأصوب حمل الحديث على ما هو أكثر، وأما شرط القطع فنادر، وأيضاً عامة الحديث خالية عن ذكر أنه كان البيع على شرط الإبقاء أو فلا بد من أن يكون البيع بالإطلاق بلا شرط القطع والإبقاء، وذلك جائز عند أبي حنيفة قبل البدو على ما قال في قاضيخان من عامة مشائخنا بأنهم يقولون: لا يجوز قبل بدو الصلاح إذا لم يكن فيه جدوى، فلا يتمشى على عموم الهداية هذا ما حصل مني، وأجاب أكثر الأحناف بأن المفهوم عندنا غير معتبر أقول: إنه معتبر لكنه لا يصير دليلاً شرعياً بل تخرج النكات، وأما البيع مطلقاً فذكر في الهداية جوازه واعترض ابن عابدين بأن المعروف بالعرف كالمشروط بالشرط فلا يصح البيع مطلقاً، وكنت متردداً في هذا حتى أن وجدت في فتاوى ابن تيمية عن أبي حنيفة والثوري أنهما أجازا البيع مطلقاً إذا أجاز البائع الترك على الأشجار، فإذن لما وجدت عن أبي
حنيفة فلا أبالي. فالحاصل إذا لم يشترط الإبقاء في صلب العقد يصح البيع وإن كان معروفاً بالعرف، هذا ما حصل لي، والله أعلم وعلمه أتم.