للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بعضها استثناء العرية من المزابنة، وفي بعضها عن أشياء أخر، وفي بعضها إطلاق البيع على العرية، فإذن يرد على الأحناف أن إطلاق البيع واستثناءها من البيع يخالف التفسير بالهبة فقال الأحناف: بأن في العرية صورة بيع، لا حقيقة بيع وتمشي الأحاديث على إطلاق البيع فإنها بيع مجازاً كما في الهداية ص (٤٩) ج (٢) وهو بيع مجازاً لأنه لم يملكه إلخ، أقول: قد ثبت تفسير أبي حنيفة من الصحابة بلا ريب، والعرية في اللغة الهبة كما صرح في الشعر:

~ وليست بسنها ولا رجبية ... ولكن عرايا في السنين الجوائح

ذكره في معاني الآثار ص (١١٣) ج (٢) أيضاً، وقد نص علماء اللغة أن الهبة على أنواع العرية والمنيحة وغيرهما فلا ريب في كون تفسيرنا موافقاً للغة، ثم أقول من جانب الشافعية: إن عند أهل اللغة العرية هي الأشجار التي توهب للغير لأكله، ثم توسِّع وأطلق على كل شجرة منتخبة لأن يأكل ثمارها بنفسه أو يعطي غيره فإذن قرب تفسير الشافعية إلى اللغة، وأقول في الجواب من الأحناف من الحديث الدال على البيع بعد ثبوت تفسيرنا من اللغة: إن بيع العرية صورته أن يقول: اشتريت خمسة أوسق، من ثمار هذه الشجرة بدل هذا التمر ويكون المبيع خمسة أوسق، وأما إذا قال: اشتريت ثمار هذه الشجرة التي هي خمسة أوسق بدل هذه التمر ويكون المبيع ثمار الشجرة ثم البائع لا يضمن أن تخرج قدر خمسة أوسق أم لا، فهذه صورة أخرى فالصورة الأولى جائزة وهي صورة العرية عندنا، والصورة الثانية غير جائزة عند أبي حنيفة إلا أن في الصورة الأولى تخرص الخمسة الأوسق على الأشجار في الحال وإنما يكون البيع بالكيل فإنه كلما جناها يكيلها فالكيل يكون بعد الجني لا في الحال والبيع لا يكون بالخرص بل بالكيل فصدق لفظ البيع حقيقة وكون الرطب على رؤوس الأشجار وبدل التمر وبصورة الخرص في الحال وإن كان البيع بالكيل فإذن صار مذهبنا عين ظاهر الأحاديث، هذا ما حصل لي في توفيق المذهب بالحديث، وأما وجه خمسة أوسق فإما أن يقال: إن البيع يكون بالكيل والكيل لم يكن في الرطب حالة الرطب بل المعروف الكيل في التمر فإذا اختار بنفسه الكيل الذي غير معروف يقتصر على ما يقتضي به الحاجة، وحاجة الأكثرين يقتضي بخمسة أوسق وهذا أوسط الأحوال، وإما أن يقال بحمل خمسة أوسق على ما حملتُ حديث: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) فيقتصر الحكم على خمسة أوسق بحكم الشرع لا بالعادة.

قوله: (بمثل خرصها إلخ) قال الشافعية: إن الباء باء البدلية، والمخروص الرطب، والمثل هو التمر المجذوذ، وأما من جانب الحنفية فأقول: إن الباء باء التصوير أي يبيع بصورة الخرص هذا، والله أعلم، والبحث أطول.

<<  <  ج: ص:  >  >>