بخمر، وأفتى أرباب الفتوى منا بقول محمد بن حسن، وأما أرباب اللغة فيشيدون أقوال أئمتهم ذكر صاحب القاموس الشافعي معنى الخمر موافق الجمهور، وذكر مذهب أبي حنيفة بقيل، وذكر الزمخشري معنى قول أبي حنيفة وقال: ليس في اللغة إلا هذا، ومن المعلوم أن الزمخشري أعلى من صاحب القاموس لأنه إمام اللغة، أقول: عندي أن أصل معنى الخمر لغة ما قال أبو حنيفة ولكنه مستعمل في معنى الحجازيين أيضاً، والمعنيان على الحقيقة ويمكن للجمهور أن يقولوا: إذا ذكر الشارع حكم ما زعمتموه خمراً وحكم غيره واحد فأي اعتراض.
تنبيه: قد يذكر الزمخشري في أساس اللغة معنى اللفظ ثم بعده يقول: ومن المجاز إلخ، وليس مراده المجاز المتعارف في ما بينا، بل مراده استعماله في المشتقات والتوسعات، فإن اللفظ الواحد يشتق منه ألف مشتقات بل أزيد، ونظير استعمال الخمر في المعنيين حقيقة أن في الفارسية معنى (گل پهول گلاب) إذا استعمل مطلقاً، ولو كان مقيداً فالاعتبار للقيد نحو (گل ترگس) أو غيره، والاستعمالان حقيقيان هذا ما بدا من شواهد أبي حنيفة من اللغة ما قال المتنبي:
~ فإن لم تكنه أو يكنها فإنه ... أخوها غذته أمه بلبانها
ويقول شاعر آخر متدين:
~ وإني لأكره تشديد الرواة لنا ... فيه ويعجني قول ابن مسعود
قال ابن مسعود بمثل ما قال أبو حنيفة، ثم أقول مغيراً عبارتهم لا غرضهم وذلك يجدي شيئاً، قالوا: إن ما سوى الأشربة الأربعة حلال قليله على قصد التقوي على العبادة، ويحرم على قصد التلهي، وأقول مغيراً عبارتهم: إن ما سوى الأربعة حرام إلا قدر قليل بقصد التقوي على العبادة، والفرق أن عبارتهم تشعر أن الأصل الإباحة والحرمة بعارض التلهي، وعلى ما قلت تشعر بأن الأصل الحرمة وإنما الحلال قدر قليل بقصد التقوي على العبادة، فإذن يكون التقوي مثل التداوي فيحول الأمر إلى باب التداوي، ولا تكون الأحاديث الوافرة مخالفة لأبي حنيفة وهذا يكون شبيه قولنا: إن الميتة حرام إلا عند الاضطرار فيكون التقوي على العبادة مخصوصاً، ومستثنى ونطالب دليل التخصيص فسأبينه فيكون جميع أحاديث المسكر حرام على ظاهرها، مثل أن يقال: إن الميتة حرام، وفي كتب الحنفية: إن شرب الماء على حكاية شرب الخمر حرام، ووجدت لقولهم هذا دليل قول أبي هريرة مثل قولنا في مدخل ابن الحاج المالكي، وقال بعض الحنفية: إن كل محرم يكون بعض جنسه