للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم أقول مجيباً عن تمسك الشافعية: إنه لو كان الفعل والقول منه فلمَ أمهل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الخطبة، فأذن نجعل الفعل شارحاً للقول، أي إذا جاء أحدكم والإمام يخطب، أي كاد أن يشرع في الخطبة، وفي النسائي ص (٢٢٧) ومسلم ما يدل على ما قلت.

وأما على طريق المحدثين فصنف الدارقطني كتاب التتبع على الصحيحين، وأعلَّ حديث البخاري قريب المائة وفي كل موضع إعلاله على الأسانيد، وفي هذا الموضع إعلاله على المتن، فقال: أن هذا القول الكليّ من إدراج الراوي، ووضع الراوي ضابطه من جانب نفسه، ثم طرّق الدارقطني الأحاديث، وقال: لم يذكره غيره.

وأقول لعل عدم إخراج البخاري الحديث في موضعه يشير إلى أنه متردد فيه، فإني علمت أن من صنع البخاري أنه لا يخرج الحديث في الذي فيه ظاهر، ويخرج في الموضع الآخر إذا كان له تردد بذلك الحديث على جهة الظاهر، مثل الاشتراط في الحج عند الإحرام واختار مذهب أبي حنيفة، ولم يخرّج حديث ضباعة بنت زبير في باب الاشتراط، وأخرجه في النكاح، ونقول على طريق المعارضة: إن في أربعة وقائع غير هذه الواقعة لم يأمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتحية المسجد:

منها ما في البخاري وغيره أن رجلاً دخل والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب وقال هلك المال، وجاع العيال، وطلب الاستسقاء، فدعا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مستسقياً ولم يأمره بالركعتين، ثم جاء رجل في الجمعة الثانية، وقال: تهدمت البيوت، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللهم حوالينا لا علينا» ، فلم يأمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتحية المسجد.

ومنها ما في الكتب أن رجلاً كان يتخطى رقاب الناس، فقال له النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (اجلس) ولم يأمره بتحية المسجد.

ومنها أنه كان يخطب وقال للناس: (اجلسوا) فجلس ابن مسعود على الباب، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ائتني وما أردتك فقيل من جانب الشافعية: إنا قلنا بالاستحباب لا بالوجوب، قلنا: إن في واقعة الباب كانت داعية بخلاف سائر الوقائع، فيكون هذا من خصوصية سُليك، ولقد بوب النسائي ص (٢٠٨) على حث الإمام على الصدقة يوم الجمعة في خطبة، وذكر تحته حديث الباب،

<<  <  ج: ص:  >  >>