للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكرر الفعل (سمعتها) مرات متتالية بنغمة موسيقية واحدة وتشكيل أسلوبي موحد (فعل+ فاعل+ مفعول به) وعمل على ربط هذا المكوّن الأسلوبي بمميز يستوعب ذات الشاعر وهمومه (أنةً، صرخة، رنةً) بشكل يتفق مع آلام الشاعر وصرخاته التي يسعى للبحث لها عن مخرج وتنفيس، لأنه الوحيد الذي يسمع شكوى نفسه وعذاباتها منذ الولادة ولذلك جعل من كل فعل من هذه الأفعال وسيلة للتأكيد على هذا المعنى لإظهار التجبر والإرادة القوية ليحول هذه الصرخات والأنات إلى أشواق وآمال تسمو فوق الجسد والروح، لتنقل وعي الناس من الجهل إلى النور عبر هذه التناغمات الموسيقية المتشابهة التي تستوعب غربته واغترابه، لم يكن ليتحقق له ذلك لو اختلفت الكلمات وتنوعت لأن التعبيرات إذا اختلفت شكلاً فإنها تختلف معنى كما يقول بلومفيلد (١) . وقد ساعده على ذلك أيضاً اعتماده على الطبيعة ولجوئه إليها ليجعل من هذه الصور أكثر فاعلية وقدرة على إحداث التغيير (طائر الجبل، صوت الليالي، كجدول...) . وهذا اللجؤ إلى الطبيعة وانعتاقه إلى أسرارها وجمالها جعله يتخذ بعض صور التكرار للتعبير عن رؤيته الخاصة تجاه عالم الغاب بعيداً عن الوصف والرصف بحثاً عن الحرية والفرح والمثال الذي يسعى إليه، لذلك نراه يصر على أداء هذه الرؤية بأسلوب معين وبكلمات تثري هذه التجربة وتنمي التفاعل بينه وبين المتلقي، فيختار الكلمات التي تستطيع أن تستوعب هذا الحب والانعتاق للطبيعة والتماهي في جوهرها بحيث يصبح جزءاً منها يقول:

في فتنة الدلال الملول

كبليني بهاته الخضل المرخاة

وسحر مقدسي مجهول

كبلي بكل ما فيك من عطر

ري وأحلام قلبي الضليل

كبليني يا سلاسل الحب أفكا

حراً في مثل هذي الكبول (٢)

كبليني فإنما يصبح الفنان

<<  <  ج: ص:  >  >>