للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحجّة المانعين هي عدم استقامة المعنى بتقدير " إنْ لا ". فإذا عرفنا أنَّ تقدير الشرط أمرٌ وهميٌّ افتراضيٌّ وضعه النحويون لتسويغ الجزم في جواب الطلب ولم تتكلم به العرب، ولم تظهره في كلامها، وعلة المنع هي من جهة المعنى عند تقدير: " إنْ لا "، ويترتب على النهي إمّا الطاعة وإمّا المعصية؛ إذن ِلمَ لا نقدر التقدير الذي يناسب المعنى ويحدّده السياق؟ ويتم ذلك بالاستغناء عن "لا" تلك التي يفسد معها المعنى- فيما ذكروا- فيكون التقدير في نحو " لا تدنُ من الأسدِ تسلمْ ": إنْ لا تدنُ تسلمْ، وفي نحو " لا تدن من الأسد يأكلك ": إن تدن يأكلْك – وهو ما قاله الإمام السهيلي في بعض توجيهاته (٨٣) – فالمعنى الذي يشتمل عليه أسلوب النهي المجاب عنه يتضمن طاعة يترتب عليها أمر حسن، أو معصية يترتب عليها أمر سيء، فالمهم إن معنى الجزاء الذي هو شرط في جزم الجواب متحقق في التركيب في كلتا الجملتين على اعتبارات معنوية مختلفة، وبالتقدير المناسب للمعنى الذي قصده المتكلم.

يقول السيوطي (٨٤) : " ينبغي أنْ يُقدّرَ المُقدَّرُ من لفظِ المذكورِ مهما أمكن ... فإذا مَنع من تقدير المذكور مانعٌ معنويٌّ أو صناعيّ قُدِّر مالا مانع له".

ويقول ابن جني في (باب تجاذب المعاني والإعراب) (٨٥) : " ... وذلك أنّك تجد في كثير من المنثور، والمنظوم الإعراب والمعنى متجاذبين: هذا يدعوك إلى أمر، وهذا يمنعك منه، فمتى اعتورا كلاماً ما أمسكت بعروة المعنى، وارتحت لتصحيح الإعراب".

<<  <  ج: ص:  >  >>