التمكن من إدراج النصوص السابقة التي استشهد بها الكسائي ومن ذهب مذهبه ضمن القاعدة، وعدم الاضطرار إلى القول بشذوذها، أو تأويلها، لا سيما أنّها قد وردت عن أفصح الناس لساناً، وأكثرهم بياناً. يقول ابن جني في (باب ما يرد عن العربي مخالفاً لما عليه الجمهور) : " إذا اتفق شيء من ذلك نُظر في حال ذلك العربي وفيما جاء به. فإن كان الإنسان فصيحاً في جميع ما عدا ذلك القدر الذي انفرد به، وكان ما أورده مما يقبله القياس، إلا أنه لم يرد به استعمال إلاّ من جهة ذلك الإنسان فإنَّ الأولى في ذلك أنْ يُحسن الظن به، ولا يُحمل على فساده (٨٨) "
أما احتجاجهم بندور النصوص التي وردت؛ فليست النصوص التي بين أيدينا هي كل ما قالته العرب، وقد يكشف لنا المستقبل عن نصوص أخرى مماثلة، فقد ذكر السهيلي بأنَّ له نظائر يطول ذكرها (٨٩) ، يقول أبو عمرو بن العلاء:" ما انتهى إليكم ممَّا قالت العرب إلاَّ أقله، ولو جاءكم وافراً لجاءكم علم وشعر كثير "(٩٠) .
ويقول أحد الباحثين المحدثين (٩١) : " استقرأ القوم هذه النصوص، ثم انتهوا إلى تقعيد القاعدة،ولمَّا استقرَّ القول فيها والاطمئنان إليها، وجدوا نصوصاً أخرى تأتي على خلاف ما انتهوا إليه، فماذا كان موقفهم حيال تلك النصوص؟ أخذوا يتأولونها بدلاً من أنْ يعملوا على إعادة النظر في القاعدة ".
لقد كان الكسائي بعيد النظر عندما لم يُوجب تقدير " لا " بعد " إنْ " الشرطية في جملة الشرط الوهمية المقدرة، لأن المعوِّل عليه عنده هو توجُّه الذهن وقيام القرائن؛ فالشرط المقدر يتعيَّن بفهم المعنى المراد، ففي نحو:" لا تدنُ من الأسدِ يأكلْك - بالجزم - معلوم أنَّ قصد المتكلم: إنْ تدنُ يأكلْك، ومثله: " لا تقتربْ من النار تحترقْ " و" لا تكسلْ تندمْ " و" لا توبخْ جاهلاً يمقتْك " و " لا تشتمْ زيداً يضربْك ".