أمَّا إذا لم توجد قرينة توضح المعنى المراد، فعندئذ يتوجب تقدير"لا" في جملة الشرط المقدرة، لتُعيّن أحد المعنيين المحتملين؛ نحو:" لا تقصدْ زيداً تندمْ " و " لا تزرْ زيداً يُهنْك "؛ فلا يُعرف هل التقدير إنْ تقصدْه تندم، أم إنْ لا تقصدْه تندمْ؟ لأنَّ كلاهما محتمل.
وكذا لا يُعرف: إنْ تزرْه يُهنْك، أم إنْ لا تزرْه يُهنْك؟ فكلاهما -أيضًا – مُحتمَل.
... وقد كان الجُرجانيّ منصفاً عندما أجازه ولكن على إظهار الشرط؛ أي:" لا تدنُ من الأسدِ فإنَّك إنْ تدنُ منه يأكلْك "، قال:" فلمَّا كان هذا الشرط غير مجانس لما قبله من الكلام وجب إظهاره لينتفي اللبس ...."(٩٢) ، والحقيقة إنَّ هذا المثال ليس فيه لبس، ولو قصره على ما أوقع في لبس لكان أكثر إنصافاً.
وباستقراء النصوص التي وردت في النهي المجاب عنه، اتضح ما يلي:
لم يرد جواب النهي في القرآن الكريم إلا مقترناً بالفاء، ما عدا آية واحدة،هي ? وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ ? (٩٣) بالجزم على قراءة الحسن عند من جعلها جواباً، وقد سبق ذكر الحركات الإعرابية التي وردت فيها وتوجيهاتها.
الغالب في كلام العرب عندما تنهى عن فعل، وتُبيِّن العواقب المترتبة على هذا النهي تجزم إذا قصدت الجزاء، وإنْ لم تقصد الجزاء ترفع، أو تُدخل الفاء وتنصب، فالجزم في الفعل المضارع الواقع بعد الطلب ليس على الوجوب، بل على الجواز، والحركة الإعرابية تخضع لاعتبارات معنوية مختلفة، وهو ما سنوضحه في المبحث القادم إن شاء الله.
رابعاً: أثر المعنى على الحركة الإعرابية في المضارع الواقع بعد الطلب
عرفنا فيما سبق أنّ جواب الطلب يجوز فيه الحركات الثلاثة؛ الجزم، والرفع، وإدخال الفاء والنصب، لكنّ هذا الجواز يخضع لاعتبارات معنوية، هي التي تتحكم في الحركة الإعرابية، فتقتضي الجزم أو الرفع أو النصب.