وأكرم رفقته وصاروا الجميع من عساكر مصر على العادة أوّلا. يأتى تفصيل ذلك فى ترجمة الملك المظفّر قطز. إن شاء الله تعالى.
ولمّا استفحل أمر قطز بديار مصر وصار هو المشار إليه فيها لصغر السلطان الملك المنصور علىّ، ولكثرة حواشى قطز المذكور، ثم تحقّق قطز مجىء التّتار إلى البلاد الشاميّة، وعلم أنّه لا بدّ من خروجه من الديار المصريّة بالعساكر للذّبّ عن المسلمين، فرأى أنّه لا يقع له ذلك، فإنّ الآراء مغلولة لصغر السلطان ولاختلاف الكلمة، فجمع قطز كمال الدّين بن العديم الحنفىّ وغيره من الأعيان والأمراء بالديار المصريّة، وعرّفهم أنّ الملك المنصور هذا صبّى لا يحسن التدبير فى مثل هذا الوقت الصّعب، ولا بدّ أن يقوم بأمر الملك رجل شهم يطيعه كلّ أحد، وينتصب للجهاد فى التّتار، فأجابه الجميع: ليس لها غيرك! وكان قطز قبل ذلك قد قبض على الملك المنصور علىّ هذا وعوّقه بالدور السلطانيّة، فخلع الملك المنصور فى الحال من الملك وبويع الأمير قطز ولقّب بالملك المظفّر سيف الدين قطز، واعتقل الملك المنصور ووالدته بالدور السلطانيّة من قلعة الجبل، وحلّف قطز الناس لنفسه وتمّ أمره، وذلك فى يوم السبت سابع عشر ذى القعدة سنة سبع وخمسين وستمائة. وكانت مدّة الملك المنصور فى السلطنة بالديار المصريّة سنتين وسبعة «١» أشهر واثنين وعشرين يوما، وبقى معتقلا سنين «٢» كثيرة إلى أن تولّى الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقدارىّ، فنفاه هو ووالدته وأخاه ناصر الدين قاقان «٣» إلى بلاد الأشكرى «٤» فى ذى القعدة سنة ثمان وخمسين وستمائة.