واستشهد بمصافّ حمص سنة ثمانين وستمائة، وكان يباشر وظيفة الدّواداريّة ولم يكن معه كاتب سرّ، فاتّفق أنّه قال يوما لمحيى الدين بن عبد الظاهر: اكتب إلى فلان مرسوما أن يطلق له من الخزانة العالية بدمشق عشرة آلاف درهم، نصفها عشرون ألفا، فكتب المرسوم كما قال له وجهّزه إلى دمشق، فأنكروه وأعادوه إلى السلطان، وقالوا: ما نعلم! هل هذا المرسوم بعشرين نصفها عشرة أو بعشرة نصفها خمسة؟ فطلب السلطان محيى الدين وأنكر عليه ذلك، فقال: يا خوند، هكذا قال لى الأمير سيف الدين بلبان الدّوادار؛ فقال السلطان: ينبغى أن يكون للملك كاتب سرّ يتلقّى المرسوم منه شفاها. وكان الملك المنصور قلاوون حاضرا من جملة الأمراء فسمع هذا الكلام. وخرج الملك الظاهر عقيب ذلك إلى نوبة أبلستين، فلمّا توفّى الملك الظاهر وملك الملك المنصور قلاوون اتّخذ كاتب سرّ. انتهى.
كلام الصّفدىّ باختصار.
قلت: وفى هذه الحكاية دلالة على أن وظيفة كتابة السرّ لم تكن قبل ذلك أبدا، لقوله: ينبغى للملك أن يكون له كاتب سرّ يتلقّى المرسوم منه شفاها. وأيضا تحقيق ما قلناه: أنّ وظيفة كتابة السرّ لم تكن قديما، وإنّما كانت الملوك لا يتلقّى الأمور عنهم إلّا الوزراء.
قضية فخر الدين بن لقمان مع القاضى فتح الدين محمد بن عبد الظاهر فى الدولة الأشرفيّة خليل بن قلاوون، وهو أنه لمّا توزّر فخر الدين بن لقمان قال له الملك المنصور:
من يكون عوضك فى الإنشاء؟ قال: فتح الدين بن عبد الظاهر، فولّى فتح الدين وتمكّن عند السلطان وحظى عنده؛ وفتح الدين هذا هو الذي قلنا عنه فى أوّل الكتاب إنه أوّل كاتب سرّ كان، وظهر اسم هذه الوظيفة من ثمّ. انتهى. وحظى فتح الدين