فقال الملك الناصر: لا إله إلا الله، كيف «١» أظهروا ما فى صدورهم! ثم أمر بإحضار آلة الملك مثل العصائب والسناجق والكوسات [والهجن «٢» ] وكلّ ما كان معه من آلة الملك وسلّمها إلى البروانىّ، وقال له: قل لسلّار ما أخذت لكم شيئا من بيت المال، وهذا الذي أخذته قد سيرته لكم، وانظروا فى حالكم فأنا ما بقيت أعمل سلطانا، وأنتم على هذه الصورة! فدعونى أنا فى هذه القلعة منعزلا عنكم إلى أن يفرج الله تعالى إمّا بالموت وإمّا بغيره. فأخذ البروانىّ الكتاب وجميع ما أعطاه السلطان وسار إلى أن وصل إلى الديار المصريّة؛ ودفع الكتاب لسلّار وبيبرس، فلما قرأا الكتاب قالا: ولو كان هذا الصبىّ يجيء ما بقى يفلح ولا يصلح للسلطنة، وأىّ وقت عاد إلى السلطنة لا نأمن غدره. فلمّا سمعت الأمراء ذلك اجتمعت على سلطنة الأمير سلّار، فخاف سلّار من ذلك وخشى العاقبة فامتنع، فاختار الأمراء ركن الدين بيبرس الجاشنكير وأكثرهم البرجية فإنّهم خشداشيته. وبويع له بعد أن أثبت كتاب الملك الناصر محمد بن قلاوون على القضاة بالديار المصريّة بأنّه خلع نفسه، وكانت البيعة لبيبرس فى الثالث والعشرين من شوّال من سنة ثمان وسبعمائة فى يوم السبت بعد العصر فى دار سلّار. يأتى ذكر ذلك كلّه فى أوّل ترجمة بيبرس، إن شاء الله تعالى. وكانت مدّة سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون فى هذه المرّة الثانية عشر سنين وخمسة أشهر وتسعة «٣» عشر يوما.
وتأتى بقيّة ترجمته فى سلطنته الثالثة، بعد أن نذكر سلطنة بيبرس وأيّامه، كما نذكر أيّام الملك الناصر هذا قبل ترجمة بيبرس المذكور على عادة هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. والحمد لله وحده.