وقال النّويرىّ فى تاريخه: ولمّا وصلوا بالمظفّر بيبرمن إلى السلطان الناصر أوقفه بين يديه وأمر بدخوله الحمّام، وخنق فى بقية من يومه ودفن بالقرافة وعفّى أثر قبره مدّة، ثم أمر بانتقاله إلى تربته بالخانقاه «١» التى أنشأها فنقل إليها. وكان بيبرس هذا ابتدأ بعمارة الخانقاه والتربة داخل باب النصر موضع دار الوزارة «٢» فى سنة ست «٣» وسبعمائة، وأوقف عليها أوقافا جليلة، ولكنّه مات قبل تمامها، فأغلقها الملك الناصر مدّة ثم فتحها. انتهى كلام النّويرىّ.
وكان الملك المظفّر ملكا ثابتا كثير السكون والوقار، جميل الصفات، ندب إلى المهمّات مرارا عديدة، وتكلّم فى أمر الدولة مدّة سنين، وحسنت سيرته، وكان يرجع إلى دين وخير ومعروف، تولّى السلطنة على كره منه، وله أوقاف على وجوه البرّ والصدقة، وعمّر ما هدم من الجامع «٤» الحاكمى داخل باب النصر، بعد ما شعّثته الزلازل. وكان من أعيان الأمراء فى الدولة المنصوريّة قلاوون أستاذه، ثم فى الدولة الأشرفية خليل، والدولة الناصرية محمد بن قلاوون.
وكان أبيض اللون أشقر مستدير اللّحية، وهو جاركسىّ الجنس على ما قيل.
ولم يتسلطن أحد من الجراكسة قبله ولا بعده إلى الملك الظاهر برقوق؛ وقبل إنه كان تركيّا، والأقوى عندى أنه كان جاركسيّا، لأنه كان بينه وبين آقوش الأفرم نائب الشام مودّة ومحبّة زائدة، وقيل قرابة، وكان الأفرم جاركسىّ الجنس. انتهى.
واستولى السلطان الملك الناصر على جميع تعلّقاته، واستقدم كاتبه كريم الدين أكرم بن المعلّم بن السديد، فقدم على الملك الناصر بأموال المظفّر بيبرس وحواصله،