وفيه نزل السلطان من القلعة إلى بيت ابن البارزىّ وأقام به إلى يوم الثلاثاء سادس عشر شعبان، فتوجّه إلى الميدان لعرض المماليك الرّماحة، فتوجّه إليه وجلس ولعبت مماليك السلطان بالرّمح بين يديه مخاصمة، ولعّب حتى المعلمين، جعل لكلّ معلّم خصما مثله ولعبّهما بين يديه، فوقع بين الرّمّاحة أمور ومخاصمات، وأبدوا غرائب فى فنونهم، كل ذلك لمعرفة الملك بهذا الشّأن ومحبّته لأرباب الكمالات من كلّ فنّ، فلمّا انتهى لعبهم والإنعام عليهم- كل واحد بحسب ما يليق به- ركب آخر النهار من الميدان المذكور على ظهر النيل فى الحرّاقة الى بيت [ابن]«١» البارزىّ ببولاق، وأقام به وعمل الخدمة به إلى أن ركب منه إلى الميدان ثانيا فى نهار السبت العشرين من شعبان، ولعبت الرّمّاحة بين يديه، وهم غير من تقدم ذكرهم؛ فإنه رسم أنّ فى كل يوم من يومى السبت والثلاثاء يلعب معلّمان هما وصبيانهما- لا غير- مخاصمة.
قلت: وهذه عادة الملوك، لمّا تعرض المماليك بين يديهم، لا يخاصم فى كل يوم غير صبيان معلّم مع صبيان معلّم آخر، لكن زاد الملك المؤيّد بأن لعّب المعلمين أيضا، فصار المعلّم يقف يمينا [ويقف]«٢» صبيانه صفا واحدا تحته، ويقف تجاهه معلّم آخر آخر وصبيانه تحته، فيخرج المعلّم للمعلّم ويتخاصمان إلى أن ينجزا أمرهما، ثم يخرج النائب للنائب الذي يقابله من ذلك المعلّم، ثم يخرج كلّ واحد لمن هو مقابله إلى أن يستتم العرض بين الظّهر والعصر أو قبل الظهر أو بعده بحسب قلّة الصّبيان وكثرتهم، ولمّا تمّ العرض فى نهار السّبت المذكور بالميدان لم يتحرّك السلطان من الميدان وبات به، وأصبح يوم الأحد ركب الحرّاقة وتوجّه فى النيل إلى [رباط]«٣» الآثار النبويّة وزاره وتصدق به، ثم عاد إلى المقياس بالرّوضة، وكشف عمارة جامع المقياس بالرّوضة، ثم عاد فى الحرّاقة الى الميدان، فبات به وعرض فى يوم الاثنين أيضا، أراد بذلك انجاز أمرهم