للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما أصبحت أمنيتى إلا فى لقائك، فليت حجاب النأى هتك بينى وبينك، ورقعتى هذه وقد دارت زجاجات أوقعت بعقلى ولم تتحيّفه، وبعثت نشاط حركتى للكتاب، فرأيك فى إمطارى سرورا بسارّ خبرك، إذ حرمت السرور بمطر هذا اليوم موفقا إن شاء الله».

وعلى نحو ما أكثروا فى طلب الزيارة من الكتب والرسائل أكثروا منها أيضا مع الهدايا التى كانوا يرسلون بها إلى أصدقائهم أو إلى بعض الوزراء وأصحاب السلطان، وكانوا يختارون لها عادة مناسبة مثل عيد من الأعياد أو ختان بعض الأولاد، من ذلك ما يروى من أن يحيى البرمكى عزم على ختان أحد أولاده، فأهدى إليه وجوه الدولة كل منهم بحسب حاله وقدرته، وتظرّف بعض من كانوا من أسبابه، للدلالة على قصور همته، فملأ وعاء من أدم ملحا مطيبا ووعاء ثانيا سعدا (١) معطّرا وكتب معهما هذه الرقعة (٢):

«لو تمت الإرادة، لأسعفت العادة، ولو ساعدت القدرة، على بلوغ النعمة، لتقدمت السابقين إلى خدمتك، وأتعبت المجتهدين فى كرامتك، لكن قعدت بى القدرة، عن مساواة أهل النعمة، وقصّرت بى الجدة (٣) عن مباهاة أهل المكنة (٤)، وخشيت أن تطوى صحيفة البرّ، وليس لى فيها ذكر، فأنفذت المفتتح بيمنه وبركته وهو الملح، والمختتم بطيبه ونظافته وهو السّعد، باسطا يد المعذرة، صابرا على ألم التقصير، متجرعا غصص الاقتصار على اليسير، والقائم بعذرى فى ذلك: (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج). والمهدى ضارع فى الامتنان عليه بقبول معذرته، والإحسان إليه بالإعراض عن جراءته».

وعرضت الهدية على يحيى، فلما قرأ الرقعة أمر أن يفرغ الإناءان ويملأ أحدهما دنانير والآخر دراهم، إعجابا بتلطف صاحبهما وبلاغته وحسن بيانه.

وكانت أكثر هداياهم طيبا وعطرا وتحفا ثمينة، وربما أهدوا السيوف والخيل، ويروى أن عبد الله بن طاهر أهدى المأمون فرسا وكتب إليه (٥):


(١) السعد: نبت طيب الرائحة.
(٢) غرر الخصائص الواضحة للوطواط ص ٤٤٨.
(٣) الجدة: الغنى.
(٤) المكنة: الاستطاعة والقدرة.
(٥) زهر الآداب ٢/ ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>