للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا عليه ولا له. ولعل أشهر شعراء العصر فى الاعتذار وأكثرهم تفننا فيه البحترى، وقد أجمع القدماء على الإعجاب باعتذاراته للفتح بن خاقان وزير المتوكل ومن طريف ماله فيها قوله من قصيدة ميمية مدحه بها (١).

عذيرى من الأيام رنّقن مشربى ... ولقّيننى نحسا من الطير أشأما (٢)

وأكسبننى سخط امرئ بتّ موهنا ... أرى سخطه ليلا مع الليل مظلما (٣)

وقد كان سهلا واضحا فتوعّرت ... رباه وطلقا ضاحكا فتجهّما (٤)

أعيذك أن أخشاك من غير حادث ... تبيّن أو جرم إليك تقدّما

ولو كان ما خبّرته أو ظننته ... لما كان غروا أن ألوم وتكرما (٥)

أقرّ مما لم أجنه متنصّلا ... إليك على أنى إخالك ألوما (٦)

لى الذنب معروفا، وإن كنت جاهلا ... به فلك العتبى علىّ وأنعما (٧)

ومثلك إن أبدى الفعال أعاده ... وإن صنع المعروف زاد وتمما (٨)

ولم ننقل الاعتذار كله فى القصيدة لطوله، وجميعه يجرى على هذه الشاكلة من التلطف ورقة الحاشية، وحسن التأتى، ودقة التنصل، مع التضخيم للذنب الذى لا يعرفه والذى جعل الفتح يتغير عليه. وهو لذلك يقدم شتى المعاذير، فقد أتى جرما لا يغتفر، جرما لم يجنه، كدّر ورده، وأحال أيام سعده نحسا لا يطاق، إذ غضب عليه الفتح، وكأنما اسودّت الدنيا فى عينه، ومثل الفتح حرىّ بالعفو لو أن هناك جريرة حقيقية، فما بالنا ولا جريرة ولا جرم ولا ذنب، ويسلّم البحترى بذنبه رقة وتلطفا، منوها بالفتح وفعاله الحميد ومعروفه الذى يواليه، وكيف أنه من أهل الصفح الجميل.

ولا نغلو إذا قلنا إن أهم موضوع استغرق الشعراء واستنفد أشعارهم الغزل، وكانوا ينظمونه تعبيرا عن عاطفة الحب الإنسانية الخالدة، وتلبية لحاجات الناس


(١) الديوان ٣/ ١٩٨٢.
(٢) رنقن: كدرن. الطير: التطير.
(٣) الموهن: نحو منتصف الليل.
(٤) التجهم: عبوس الوجه.
(٥) غروا: عجبا. ألوم: ألؤم.
(٦) ألوما: ، : أكثر لوما.
(٧) وأنعم هنا: وزيادة على ذلك.
(٨) الفعال بفتح الفاء: الصنع الجميل.

<<  <  ج: ص:  >  >>