للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدا منهم لم يحام عنه فى بلائه، بل لقد خذلوه جميعا، وما يلبث أن يقول (١):

تضافرت الرّوافض والنّصارى ... وأهل الإعتزال على هجائى

وكأنه كان يعرف فى وضوح خصومه الذين ما زالوا يرجفون به عند المتوكل حتى ألقى به فى غياهب السجون، إنهم المعتزلة والشيعة والنصارى من حواشى الخليفة ثم افسوه؟ ؟ ؟ من الشعراء والندماء وإن لم يتعرض لهم فى هذه القصيدة بالذكر؛ ويقول ابن المعتز: «إنما عنى بالروافض الطاهريين وبأهل الاعتزال بنى دؤاد وبالنصارى بختيشوع بن جبريل» (٢). ومعروف أن الطاهريين هم أسرة عبد الله بن طاهر، وكان ابنه محمد حاكما لبغداد لعهد المتوكل، وكان ابنه طاهر-كما أسلفنا- واليا لخراسان بعد أبيه عبد الله، وأسرّها طاهر لابن الجهم كما سنرى عما قليل.

وكان أحمد بن أبى دؤاد رأسا من رءوس الاعتزال، كان المتوكل يفسح له فى مجالسه، لأنه كان أحد من أخذوا له البيعة بعد وفاة الواثق، فحفظ له المتوكل صنيعه، على أنه لم يلبث أن نكبه هو وابنه أبا الوليد بعد نكبته لابن الجهم. أما بختيشوع فكان لا ينسى له ذكره العسليات فى بيتيه السابقين وكان يكنّ له عداوة شديدة.

وظل ابن الجهم فى محبسه يتوسل إلى المتوكل أن يعفو عنه، مرسلا له بقصائد يصور فيها ولاءه له وإخلاصه ووفاءه، منددا بخصومه بل هاجيا لهم أشد الهجاء وأعنفه، ورقّ له المتوكل فردّ إليه حريته بعد عام ولكن بطانة السوء من حوله دبروا لابن الجهم مكيدة لا تقبل فيها التعلاّت والمعاذير، إذ اتهموه عند المتوكل بأن نفسه سوّلت له أن يهجوه هجاء قبيحا، وثار المتوكل ثورة شديدة وأمر لسنة ٢٣٩ بمصادرة أمواله ونفيه إلى خراسان وكتب إلى أميرها طاهر بن عبد الله أن يصلب يوما إلى الليل، فلما وصل إلى ضاحية من ضواحى نيسابور تسمى الشّاذياخ حبسه طاهر بها، ثم أخرج من محبسه وصلب يوما إلى الليل مجرّدا ثم أنزل (٣)، وكأن طاهرا رأى فى ذلك فرصة


(١) الديوان ص ٨٤.
(٢) طبقات الشعراء لابن المعتز ص ٣٢٠.
(٣) أغانى ١٠/ ٢٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>