للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العربى المأساة التى سبق أن أشرنا إليها فى الفصل الأول، وهى مقتل البطلين عمر بن عبيد الله الأقطع وعلى بن يحيى الأرمنى فى حروب الروم، ويتصايح المتطوعون لتلك الحروب فى كل مكان، ونجد ابن الجهم كأنما يثوب إلى نفسه أخيرا، فيعتزم الجهاد فى سبيل الله مع المجاهدين، ويخرج فى قافلة إلى حلب لغزو الروم.

ويحاول أن يتجه من حلب إلى بعض الثغور (١)، ويعترضه أعراب من بنى كلب، ويقاتلونه، وهو يصيح فيهم بأشعار حماسية ملتهبة، وتصيبه طعنة قاتلة، فيقتل شهيدا دون غايته (٢).

وأشعار ابن الجهم موزعة بين المديح والاستعطاف والرثاء والهجاء والغزل والفخر والوصف والحكمة وجلّ مدائحه فى المتوكل، فقد كاد لا يترك فيه فضلا لغيره، ومرّ بنا آنفا أنه ظل منذ توليه الخلافة سنة ٢٣٢ للهجرة حتى سنة سجنه وسخطه عليه يسجل كل أعماله، بل لقد تحول داعية له، يحامى عنه ويدافع، بل يبرر ويزين ما يصدر عنه من فعل، وظل ينوه بموقفه من المعتزلة وفتنة خلق القرآن، بمثل قوله (٣)

به سلم الإسلام من كل ملحد ... وحلّ بأهل الزّيغ قاصمة الظّهر

وبالمثل كان يندد بالشيعة والعلويين، وكان ما يزال يرفع من المتوكل والعباسيين، حتى ليجعلهم فوق كل الناس علويين وغير علويين، وحتى ليقول (٤):

لنا فى بنى العباس أكرم أسوة ... فهم خير خلق الله طرّا وأفضل

ويقول للمتوكل (٥):

ولن يقبل الإيمان إلا بحبّكم ... وهل يقبل الله الصلاة بلا طهر

وكان لا ينى يمدح المتوكل حب الخير والرفق بالرعية والصفح عن الزلات ونشر الأمن الذى يحرر الناس من الخوف ونشر العدل الذى لا تصلح الحياة بدونه، يقول (٦):


(١) تاريخ بغداد: ١١/ ٣٦٩.
(٢) الأغانى /٢٣٣١٠/ وما بعدها.
(٣) الديوان ص ٢٢٢.
(٤) الديوان ص ٧٠.
(٥) الديوان ص ١٤٨.
(٦) الديوان ص ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>