يبق لى صفة إلا صفة القديم، ونطقى فى تلك الصفة. والخلق كلهم أحداث ينطقون عن حدوث. ثم إذا نطقت عن القدم ينكرون علىّ ويشهدون بكفرى ويسعون إلى قتلى، وهم بذلك معذورون، وبكل ما يفعلون بى مأجورون».
والحكاية تصور عقيدة الحلاج فى أنه بتحمله للآلام الثقال أصبح-كما يزعم- فى مرتبة عليا، بحيث ارتسمت الصورة الإلهية فيه، إذ ظهر فيه اللاهوت، وأصبح لا يفرّق بين نفسه وربه، فقد امتزج الحدث أو الحداثة فيه بالقدم، بل إنه لم تبق فيه صفة إلا صفة القدم، بخلاف من حوله من الناس، فهم جميعا يستشعرون الحدوث، أو قل كلهم حادثون، وهو وحده الذى أصبح يستشعر القدم، فلماذا ينكرون عليه التكلم عن القدم. مع أنه هو-كما يزعم-والقديم شئ واحد! .
وله عبارات تدل على أنه كان فى بعض أحواله يؤمن بتنزيه الذات العلية عن التشبيه بالمخلوقات وفى أخباره عن أحمد بن سعيد الإسبينجانى قال (١):
سمعت الحلاج يقول: ألزم (الله) الكلّ الحدوث لأن القدم له. والذى بالجسم ظهوره العرض يلزمه. والذى بالإرادة اجتماعه قواها تمسكه. والذى يؤلفه وقت يفرّقه وقت. والذى يقيمه غيره الضرورة تمسّه. والذى الوهم يظفر به التصوير يرتقى إليه. ومن آواه محل أدركه أين. ومن كان له جنس طالبه كيف. إنه تعالى لا يظلّه فوق ولا يقلّه (يحمله) تحت. ولا يقابله حدّ ولا يزاحمه عند، ولا يأخذه خلف ولا يحدّه أمام. ولا يظهره قبل ولا يفيته بعد. ولا يوجده كان، ولا يفقده ليس (عدم). وصفه لا صفة له. وفعله لا علّة له. وكونه لا أمد له. تنزّه عن أحوال خلقه. ليس له من خلقه مزاج، ولا فى فعله علاج، باينهم بقدمه كما باينوه بحدوثهم».
ويستمر الحلاج فى مثل هذا التنزيه لله، فهو لا يشبه الكائنات فى شئ ولا يشبهونه فى شئ، تفرّد بذاته وصفاته عن ذواتهم وصفاتهم فهم حادثون وهو قديم، لا يلزمه شئ ولا يمسكه شئ، كلّ واحد لا أجزاء له، لا تمسه ضرورة ولا يلحقه وهم، ولا يؤويه مكان ولا تحتويه صفة، لا شئ فوقه ولا آخر تحته، لا يحدّه حدّ ولا جهة من الجهات، موجود قبل كل وجود، ولا يلحقه عدم