أبى القاسم البغدادى التى تقص حياة شيخ طفيلى بغدادى فى يوم ببغداد فى القرن الخامس للهجرة-ما كانت تلبسه الطبقة المترفة من ملابس أنيقة مجلوبة من جميع البلدان العربية موشاة بديباج الذهب المنسوج وكأنما نسجت من أزهار الربيع، كما يقول، يفوح منها العنبر والطيب. ويذكر بيوت هذه الطبقة فيقول إن سقوفها غشّيت بالساج وزيّنت تعاريجها بالآبنوس والعاج، مع الأروقة المليحة والأبهاء المشرفة العالية ومع الأواوين (جمع إيوان) وقد فرشت بالطنافس والمخادّ المذهبة والأبسطة والمقاعد المموهة بالذهب والمطارح المحشوة بريش العصافير الهندية والديباج التّسترىّ المقصّب الذهبى. ثم يفيض فى القول فى الأطعمة من كل صنف والأفواه والعطور وأنواع المسك والعنبر والعود المطيّب وأدوات الزينة من الأمشاط وغير الأمشاط. ويوازن بين هذه الحياة المترفة وحياة الطبقة الوسطى والدنيا الخشنة، واصفا أطعمتها ودورها. ويبدو أنهم كانوا يضيفون إلى كثير من الأطعمة أنواع الطّيب وماء الورد والتفاح وحبّ الرمان والزعفران، ويعرض أصنافا كثيرة للحلوى، وطبيعى أن تكثر فيها العطور. ويقول إنه حين يرفع الطعام يأتى فراش متهلل الوجه نظيف الثياب خفيف الروح بيده خلال سلطانى مطيّب، ويغسل الضيوف أيديهم، ويناولهم الفراش مناديل ألين من القزّ وأنعم من الخزّ، ويطيل الوصف للوز والجوز المقشورين وأنواع الفواكه وما كانت تزيّن به الموائد من الأزهار والأنوار، ويتحدث عن الخمور وكئوسها ودنانها مطنبا مطيلا. ويذكر ما فى مجالس السّراة من المغنين الذين يأخذون بمجامع القلوب، إذ يملأون الآذان سرورا ويقدحون فى القلوب نورا (١)
وكانت المغنيات يغنين فى مجالس السلاطين والخلفاء من وراء ستارة، أما فى مجالس السراة وعلية القوم والنوادى فكن يغنين دون ستارة غالبا، ويطيل ابن أبى المطهر الأزدى فى الإشادة بمغنيات بغداد وزمّاراتها وطبّالاتها وصنّاجاتها ورقّاصاتها وضاربات العود بها، ويصف إحداهن ممن يضربن على العود قائلا: تدخل المجلس تعطره من نسيمها بالمسك والكافور والعنبر وتجرى عليها غلالة جرى الماء ورداء قصب مزين مرصّع بالزبرجد الأخضر والياقوت الأحمر وفى عنقها سبحة (عقد) من الحب الكبار بما يعادل ألف دينار، والجوارى يحملن ذيول ثوبها. وتجلس وعلى وجهها إزار قصب أبيض رقيق، وتبدو متنقّبة لا يرى منها إلا المحاجر وأطراف الذوائب، وتلقى بحديث كزهر الجنان أو صوب الغمام أعذب من الماء الزلال، وأعلق بالنفوس من السحر الحلال، ثم تحسر
(١) حكاية أبى القاسم البغدادى (نشر مينز فى هايدلبرج) ص ٣٥ - ٤٦.