للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعنى، وكان أحسن طبقته تشبيها» (١).

وواضح أن هذه الفقرة من كتاب طبقات فحول الشعراء تقرر أن امرأ القيس هو الذى فتح للجاهليين أبواب النسيب والغزل ووصف النساء والخيل، وهى تضيف إلى ذلك قرب الماخذ، بحيث جعل العبارات قريبة المنال لا يشوبها عسر ولا صعوبة، وأيضا تضيف أنه فصل بين النسيب والمعنى، فلم يخلطه بشئ، بل أسهب فيه وأفرده عما يليه.

وكل من يقرأ المعلقة وما أثبتناه له من شعر يلاحظ استواء فى العبارات واتساقا فى ترتيب الألفاظ، مما يدل على أنه كان يملك أعنة اللغة فى يده، وقليل جدّا ما قد نلاحظه عنده من بعض النبو كقوله السابق فى المعلقة:

أحار ترى برقا كأن وميضه ... كلمع اليدين فى حبىّ مكلّل

يضئ سناه أو مصابيح راهب ... أهان السّليط فى الذّبال المفتّل

فقد كان ترتيب السياق ونسقه يقتضيان أن يكمل وصفه للبرق بأنه فى حبى مكلل وسحاب متراكم وأنه يضيئ سناه، ثم يشبهه بلمع اليدين ومصابيح الراهب.

ولكن على كل حال مثل هذا قليل فى شعره، إذ قلما نجد فيه اضطرابا فى ترتيب ألفاظه ومعانيه.

وحقّا ما تقوله الفقرة السابقة عند ابن سلام من أنه أحسن طبقته تشبيها، فتشبيهاته جيدة، وهى تتراكم فى المعلقة وفى قصيدته (ألاعم صباحا أيها الطلل البالى) تراكما يجعله حقّا صاحب فن التشبيه فى العصر الجاهلى فالتشبيهات تتلاحق فى صفوف متعاقبة، وقد عقد لها ابن سلام فصلا فى طبقاته (٢)، استمده فى جملته من القصيدتين السالفتين. وأول ما يلاحظ فى هذه التشبيهات أنها مستمدة من واقعه الحسى، وارجع إلى تشبيهاته فى المرأة، فستراه يشبهها بالبيضة فى بياضها ورقتها، كما يشبهها بالدّرّة والبقرة الوحشية، اما ترائبها فكالمرآة وأما شعرها الغزير فكعذق النخلة المتداخل وأما خصرها فليّن كالزمام، وأما ساقها فكالبردىّ فى بياضه،


(١) ابن سلام ص ٤٦ وانظر الشعر والشعراء ١/ ٥٧.
(٢) انظر ابن سلام ص ٦٧ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>