ودخلتها فروع من المولوية أتباع جلال الدين الرومى المتوفى سنة ٦٧٣، ومن القلندريّة وهم أتباع قلندر يوسف، وكانوا يحلقون لحاهم وحواجبهم، وقلّت أعمالهم من الصوم والصلاة إلا الفرائض وكانوا لا يتقشفون ولا يتنسكون، وكان لهم زاوية خارج باب النصر بالقاهرة بالقرب من القرافة، ويقول المقريزى إن أول ظهورهم كان بدمشق سنة ٦١٩ للهجرة. وعرفت بمصر بأخرة من أيام المماليك الطريقة النقشبندية أتباع محمد النقشبندى المتوفى سنة ٧٩١ وكذلك الطريقة البكتاشية. وشاعت أيام العثمانيين الطريقة الخلوتية المتفرعة-كما أسلفنا-من الطريقة الشاذلية، وفى مقدمة أعلامها بمصر مصطفى كمال الدين البكرى المتوفى سنة ١١٦٢ للهجرة، والشيخ الحفنى، وعنه أخذ الطريقة الشيخ أحمد الدردير، وسنعرض له فى غير هذا الموضع.
وتتميز هذه الطرق بعضها عن بعض بالأوراد، فلكل منها ورد خاص وهو مجموعة من المناجيات لله والأدعية والابتهالات، وتتميز أيضا بالأزياء، فعمائم الدسوقية وبيارقهم وأعلامهم خضراء، وعمائم القادرية بيضاء، وهى عند الأحمدية حمراء، وعند الرفاعية سوداء. وكانت لهذه الطرق تنظيمات دقيقة منتهى الدقة، فتابع الشيخ يلزمه مدة تقصر أو تطول حتى يتلقن عنه طريقته، وحتى يثبت إخلاصه الشديد له، فليحقه بمريديه أو تلاميذه ويلبسه خرقة التصوف:
شعار الطريقة، ويصبح ظلاّ له، إذ تتلاشى إرادته فى شيخه تلاشيا تاما وفى ذلك يقول الشعرانى فى كتابه:«لواقح الأنوار» نقلا عن الشيخ إبراهيم الدسوقى: «المريد مع شيخه على صورة الميت، لا حركة ولا كلام، ولا يقدر أن يتحدث بين يديه إلا بإذنه، ولا يعمل شيئا إلا بإذنه من زواج أو سفر أو خروج أو دخول أو عزلة أو مخالطة أو اشتغال بعلم أو قرآن أو ذكر أو خدمة الزاوية أو غير ذلك». وتمضى الأيام ويصبح المريد شيخا، وكانوا يرسلون بالمريدين إلى البلدان والقرى، وبذلك يصبح للشيخ صاحب الطريقة أتباع كثيرون فى وطنه وفى الوطن الإسلامى الكبير، وإذا هو صاحب طريقة كبرى، ولكل طريقة شيوخها الكبار.
وكان مما أتاح لهذه الطرق مكانة كبيرة فى نفوس العامة أنهم كانوا يعتمدون على أوقاف محبوسة على زواياهم ورباطاتهم وخانقاهاتهم، فلم يكونوا يأخذون من الدولة رواتب مثل الفقهاء المدرسين والقضاة والمحدثين والقراء، ممن كانوا يعتمدون فى معاشاتهم على الهيئات الحاكمة، أما هم فلم يكونوا يعتمدون عليها، وبذلك كان لهم استقلال روحى واضح، جعلهم يقفون أحيانا فى وجوه الحكام، ويقاومونهم حين يتطلب الشعب هذه المقاومة بسبب ظلم أو طغيان أو زيادة فى الضرائب أو غير ذلك. وهو ما جعل العامة فى كافة البلاد الإسلامية تتعلق بهم تعلقا