للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم جليّة نواياه مصممين على قتله، فاختبأ منهم فى بيت فحم، فقبضوا عليه وقتلوه وصلبوه على باب المدينة، ونهبوا متاجر اليهود ومنازلهم وقتلوا منهم نحو أربعة آلاف.

ومن كبار الهجائين فى عصر المرابطين عبد الله (١) بن سارة الشنترينى المتوفى سنة ٥١٧ ويقول ابن بسام عنه: «رأيت له عدة مقطوعات فى الهجاء تربى على حصى الدّهناء، وهو فيه صائب السهم نافذ الحكم» ويقول إنه أضرب عن ذكرها إلا لمعا قليلة لمنهجه الذى اتخذه فى الذخيرة، وهو أن ينحىّ عنها الهجاء وخاصة المفحش منه، وكان ابن سارة مقترّا عليه فى الرزق، فتنقل طويلا فى بلدان الأندلس، ثم استوطن إشبيلية واحترف فيها الوراقة، وفيها يقول ذامّا هاجيا:

أما الوراقة فهى أنكد حرفة ... أغصانها وثمارها الحرمان

شبّهت صاحبها بإبرة خائط ... تكسو العراة وجسمها عريان

ويكثر فى زمن المرابطين هجاء الفقهاء لما حازوا لأنفسهم فيه من مال وسلطان، وابن سارة أحد من تعرض لهم هاجيا، ومثله ابن خفاجة وابن البنّى وفيهم يقول مخاطبا لهم:

أهل الرّياء لبستم ناموسكم ... كالذئب أدلج فى الظلام العاتم

فملكتم الدنيا بمذهب مالك ... وقسمتم الأموال بابن القاسم

وركبتم شهب الدوابّ بأشهب ... وبأصبغ صبغت لكم فى العالم

وهو يتهمهم بالمراءاة وأكل الأموال بالباطل ويزعم أنهم ملكوا الدنيا بمذهب مالك وأئمته المصريين الذين تتلمذ عليهم فقهاء الأندلس واتخذوا كتبهم مصدرا لفتاويهم وأحكامهم، وهم ابن القاسم المتوفى سنة ١٩١ وأشهب بن عبد العزيز المتوفى سنة ٢٠٤ وأصبغ بن الفرج المتوفى سنة ٢٢٥. وممن عنف بالفقهاء فى الهجاء الأبيض (٢) محمد بن أحمد المتوفى حول سنة ٥٢٥ وولع بهجاء الزبير المرابطى حاكم قرطبة بمثل قوله:

عكف الزّبير على الضلالة جاهدا ... ووزيره المشهور كلب النّار

ما زال يأخذ سجدة فى سجدة ... بين الكئوس ونغمة الأوتار


(١) انظر فى ترجمة عبد الله بن سارة وشعره الذخيرة ٢/ ٨٣٤ والخريدة ٢/ ٣١٥ والقلائد ٢٦٠ والتكملة ٨١٦ والبغية رقم ٨٩٦ والمغرب ١/ ٤١٩ وابن خلكان ٣/ ٩٣ والمطرب ٧٨، ١٣٨، ٢٣٥.
(٢) راجع فى ترجمة الأبيض وشعره المغرب ٢/ ١٢٧ وزاد المسافر ص ٦٦ ونفح الطيب ٣/ ٤٨٩ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>