للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سنة ١٤٤ هـ‍/٧٦١ م واستوطن تونس، وولد له فيها أسد، وفيها نشأ وحفظ القرآن، ثم اختلف إلى على بن زياد وابن فروخ، ورحل إلى الحجاز، فسمع من مالك الموطأ، ثم رحل إلى العراق فاستمع إلى أصحاب أبى حنيفة وخاصة أبا يوسف ومحمد بن الحسن الشيبانى ونزل الفسطاط ولزم دروس عبد الرحمن بن القاسم إمام المذهب المالكى بعد أستاذه مالك ودوّن ما سمعه عليه فى مدوّنة له تسمى الأسدية، وأخذ أسد يدرس فى القيروان مدوّنته عن ابن القاسم لطلابه، وتولّى القضاء لزيادة الله الأغلبى، فكان تارة يأخذ فى قضائه بمذهب مالك وتارة بمذهب أبى حنيفة حسب ما يتراءى له من الوجه الصحيح فى الحكم. ومعروف أنه كان القائد فى فتح صقلية، واستشهد بعد فتحه لبعض بلدانها سنة ٢١٣ هـ‍/٨٢٨ م.

ونحن لا نصل إلى أواخر القرن الثانى الهجرى حتى يكون الطلاب فى تونس والقيروان عرفوا-معرفة جيدة-مذهب مالك عن طريق على بن زياد وأسد بن الفرات، كما عرفوا مذهب أبى حنيفة عن طريق عبد الله بن فروخ وأسد بن الفرات أيضا وإن غلب عليه مذهب مالك. ومضى المذهبان يتعايشان فى القرن الثالث الهجرى. ولكل منهما فقهاؤه، وكان مما مكّن للمذهب الحنفى فى القرن الثالث أن الأغالبة كانوا يختارون غالبا القاضى من الأحناف، كما كان يصنع العباسيون، وكانت كثرة الفقهاء فى القيروان تؤثر مذهب مالك. ونستطيع أن نميز بين فقهاء الأحناف المهمين حينئذ معمر بن منصور رفيق أسد بن الفرات فى تلمذته على عبد الله بن فروخ، ومثله سليمان بن عمران، وكان يلزم أسد بن الفرات، ومن فقهاء الأحناف أيضا لعهد زيادة الله الأغلبى الأول أبو محرز محمد بن عبد الله الكنانى، وكان هو وأسد بن الفرات شريكين فى القضاء بالقيروان، وتناظرا أمام زيادة الله فى النبيذ، فكان أسد يقول بتحريمه وأبو محرز يخالفه متابعا لرأى الأحناف وهم لا يحلّونه مسكرا وإنما قبل إسكاره.

ومن فقهاء الأحناف أيضا لعهد الدولة الأغلبية عبد الله بن محمد بن الأشج، قال الخشنى فى طبقاته: كان مذهبه مذهب الكوفيين، توفى سنة ٢٨٦ هـ‍/٨٩٩ م. وكان يعاصره الفقيهان الحنفيان أبو العباس بن القيار، وأبو العباس بن عبدون القاضى، ويقول الخشنى عنه: «كان حافظا لمذهب أبى حنيفة، ولاه إبراهيم بن أحمد (الأغلبى) القضاء ثم عزله» توفى سنة ٢٩٧ هـ‍/٩٠٩ م. ومنذ استولت الدولة العبيدية على القيروان من الأغالبة أخذ المذهب الحنفى يقل فقهاؤه ولما انتهت تلك الدولة أخذ المذهب المالكى فى الغلبة عليه حتى إذا كان المعز بن باديس وحمل الناس والفقهاء على مذهب مالك دون غيره من المذاهب إرضاء للجماهير فى رعيته قلّ فى القيروان وإفريقية التونسية من يعنى بالمذهب الحنفى، ونستطيع أن نذكر منهم فى أوائل عهد الدولة الحفصية محمد الزناتى إذ يقول صاحب الحلل السندسية إنه كان إماما فى المذهب الحنفى. ويعود المذهب الحنفى إلى ما كان له من الازدهار فى زمن الأغالبة أيام الحكم العثمانى، وبعبارة أدق منذ عهد يوسف داى (١٠٠٨ هـ‍/١٥٩٩ م-١٠٤٧ هـ‍/١٦٣٧ م) إذ

<<  <  ج: ص:  >  >>