للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الملك. فيتريث فى القدوم على مصعب بجيوشه، حتى يرى ما يكون من أمره مع المختار الثقفى. ويشغل مصعب بعد المختار بالخوارج، ويقدم عبد الملك فيقضى عليه، ويرسل الحجاج إلى ابن الزبير بمكة، فيهزمه ويقتله فى سنة ٧٣. وكان ابن الزبير شحيحا، ومن ثم هجاه فضالة بن شريك هجاء مرّا (١). أما مصعب فكان جوادا ممدّحا، ولذلك مدحه ورثاه غير شاعر (٢):

وبمجرد القضاء على ابن الزبير فى مكة دخل الحجاز فى طاعة بنى أمية، ولم يعد للثورة عليهم طوال العصر. أما العراق فكان موطن الخصومة الحقيقية لهم، إذ كان فيه الخوارج وخاصة فى البصرة لأول هذا العصر، وكان فيه الشيعة وخاصة فى الكوفة، وكان فيه كثير من أشراف العرب الذين كانوا يعدّون بنى أمية غاصبين للخلافة. ومرّ بنا فى غير هذا الموضع انتقاض عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث عليهم وكذلك انتقاض يزيد بن المهلب.

وكان هناك كثير من الرقيق الذين كانت تعاملهم الدولة فيما يظهر معاملة قاسية، مما جعلهم يثورون مرارا، مرة فى عهد المغيرة بن شعبة والى الكوفة (٣)، ومرة ثانية فى عهد مصعب، ومرة ثالثة فى عهد الحجاج، وكان الزنج هم الذين أشعلوا الثورتين الأخيرتين، وسجّل ذلك بعض الشعراء فى أشعارهم (٤).

على أن هذه الثورات الجانبية لا تقاس فى شئ إلى ثورات الخوارج التى امتدّ لهبها إلى أركان كثيرة فى العراق والموصل وإيران واليمامة وحضرموت وعمان. وكان أول ظهورهم عقب التحكيم بين على ومعاوية وما كان من رضا على به، فقد تنادى فريق من جيشه: لا حكم إلا لله، وبذلك شقّوا عصا الطاعة عليه، ولم يلبثوا أن عدّوه ومن معه ضالين وتجب الهجرة عنهم كما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل مكة، وفعلا هاجروا إلى حروراء بالقرب من الكوفة، ولذلك سموا الحرورية. وسمّوا أيضا الخوارج، لأنهم خرجوا على الجماعة، أو لعلهم هم الذين سمّوا أنفسهم بذلك أخذا من قوله تبارك وتعالى:


(١) أغانى ١/ ١٥ وانظر ١٢/ ٧١ وما بعدها.
(٢) انظر الأغانى ٦/ ٣٣ وابن سلام ٥٣٠ والطبرى ٤/ ٥٩٢، ٥/ ٩ وما بعدها.
(٣) اليعقوبى ٢/ ٢٦٢.
(٤) طبرى ٥/ ٣٣٨ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>