للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{(وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ).} وسمّوا أنفسهم الشّراة أخذا من قوله جلّ وعز: {(وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ).} وكان الذى أثارهم أنهم رأوا عليّا ومعاوية يقتتلان على الخلافة، كأن الأمر ليس أمر الله إنما هو أمر أشخاص، فثاروا على ذلك ثورة عنيفة اعتبروها جهادا فى سبيل الله وسبيل دينه الذى يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وجاهدوا عليّا، ولكنه نكّل بهم فى موقعة النهروان. ولم يلبث ابن ملجم المرادى أن قتله لينال رضا امرأة منهم (١). وتحولت مقاليد الخلافة إلى معاوية فرأوا فيه إماما زائفا، وأخذت تتكوّن عقيدتهم بسرعة حول محور ثابت هو أن الخلافة ينبغى أن لا تحتجزها قريش لنفسها من دون المسلمين، فهى ليست حقّا لقريش، إنما هى حق لله وينبغى أن يتولاها أكفأ المسلمين لها وخيرهم تقوى وورعا ولو كان عبدا حبشيّا. ومضوا يعتقدون أنهم وحدهم الجديرون بوصف الإسلام، مؤمنين بأنه لا يتجاوز حدود معسكراتهم، ومؤمنين أيضا بأن من واجبهم أن يجاهدوا الجماعة التى ارتضت الأمويين وما ثبّتوه من نظام الوراثة للخلافة فى بيتهم. وكانت آراؤهم تعمل عمل السّحر فى كثير من النفوس، فانضم إليهم كثير من العرب والموالى والأتقياء. ونراهم يغمدون سيوفهم لأول عهد معاوية، ولكن لا تلبث طائفة منهم أن تخرج فى الكوفة بقيادة المستورد بن علّفة سنة ٤٣ وسرعان ما يقضى عليهم. وتهدأ الكوفة حتى سنة ٥٨ فتثور منهم جماعة بقيادة حيان بن ظبيان وينتظرهم نفس المصير، ولا يعودون بعد ذلك إلى الظهور فى الكوفة، إذ لم يكن بها جمهورهم الكبير.

بل كان فى البصرة، وهى لذلك تعدّ مهد نشاطهم الأول. وقد تولّى أمرها زياد ابن أبيه، فأخذهم أخذا عنيفا اضطرّوا معه إلى الاستتار. وخلفه ابنه عبيد الله فمضى فى سياسته، وعنف بهم، فأكثر من حبسهم وقتلهم، وكان ممن قتله من رجالهم عروة بن أديّة ومن نسائهم البلجاء، ولم يلبث أبو بلال مرداس أخو عروة أن خرج فى أربعين رجلا إلى الأهواز سنة ٥٨ فبعث إليه ابن زياد جيشا عليه ابن حصن التميمى عداده ألفان، غير أن الجيش هزم هزيمة نكراء عند «آسك» فقال رجل من بنى تيم الله بن ثعلبة (٢):


(١) الكامل للمبرد (طبعة رايت) ص ٥٤٩.
(٢) طبرى ٤/ ٢٢٢ وانظر الكامل ص ٥٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>