للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما بال ميراث الحتات أخذته ... وميراث حرب جامد لك ذائبه (١)

فلو كان هذا الأمر فى جاهليّة ... علمت من المرء القليل حلائبه (٢)

ويقول بعض الرواة إن أول شعر قاله الفرزدق نظمه فى ذئب ذهب بكبش من غنم لأهله، وهو يستهلّه بقوله:

تلوم على أن صبّح الذئب ضأنها ... فألوى بكبش وهو فى الرّعى راتع

وهى أبيات جيدة الصياغة. وفى أخباره كما مر بنا ما يدل على أنه نشأ حديد اللسان محبا للخصومات، يهجو من حوله من قومه وغير قومه، وكان ممن هجاهم وأسرف فى هجائهم بنو فقيم وذلك أنهم خرجوا يطلبون دما لهم فى قوم، فصالحوا منه على دية، فقال حين رجعوا:

لقد آبت وفود بنى فقيم ... بآلم ما تؤوب به الوفود

ومضى يهجوهم هجاء كثيرا، فاستغاثوا منه بالأشهب بن رميلة النّهشلى، واستعر الهجاء والتفاخر بينهما، حينئذ رفعوا أمره إلى زياد بن أبيه. وكان ذلك فى سنة خمسين للهجرة، فطلبه، وخافه الفرزدق، فهرب منه متجها نحو البادية، وأخذ يستجير ببعض شيوخ القبائل، فأجاره قوم من بكر بن وائل، وأعانوه على الفرار، فولّى وجهه نحو المدينة وعليها سعيد بن العاص من قبل معاوية، وكان سيدا ممدّحا، فأمّنه وأجاره، ومدحه مدائح رائعة من مثل قوله:

ترى الغرّ الجحاجح من قريش ... إذا ما الأمر فى الحدثان غالا (٣)

قياما ينظرون إلى سعيد ... كأنهم يرون به هلالا

وسمعه الحطيئة وهو ينشد سعيدا هذه القصيدة. فقال: هذا والله الشعر لا ما نعلّل به منذ اليوم. وبلغه أن زيادا رقّ له وقال: لو أتانى لآمنته وأعطيته، فقال فى كلمة:

دعانى زياد للعطاء ولم أكن ... لآتيه، ما ساق ذو حسب وفرا (٤)


(١) حرب: جد معاوية.
(٢) الحلائب: الجماعات وأبناء العم فى القبيلة.
(٣) الغر: جمع أغر وأصله أبيض الغرة ويريد به الشريف. الجحاجح: جمع جحجاح وهو السيد الكريم. الحدثان: حوادث الدهر ونوائبه. وغال: أصاب بشر.
(٤) الوفر: المال الكثير. وأراد التأبيد أى لا آتيه أبدا.

<<  <  ج: ص:  >  >>