للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

ترتيب تفصيل على جملة فذكر الإهلاك ثم فصله بنوعين أحدهما مجيء البأس بياتا أي ليلا والثاني مجيئه وقت القائلة وخص هذين الوقتين لأنهما وقت راحتهم وطمأنينتهم فجاءهم بأس الله أسكن ما كانوا وأروحه في وقت طمأنينتهم وسكونهم على عادته سبحانه في أخذ الظالم في وقت بلوغ آماله وكرمه وفرحه وركونه إلى ما هو فيه وكذلك قوله: {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً} والمقصود أن الترتيب هنا ترتيب التفصيل على الجمل وهو ترتيب علمي لا خارجي فإن الذهن يشعر بالشيء جملة أولا ثم بطلب تفصيله بعد ذلك وأما في الخارج فلم يقع إلا مفصلا فتأمل هذا الموضع الذي خفي على كثير من الناس حتى ظن أن الترتيب في الآية كترتيب الإخبار أي إنا أخبرناكم بهذا قبل هذا وأما قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} فعلى ما ذكرنا من التعبير عن إرادة الفعل بالفعل هذا هو المشهور وفيه وجه ألطف من هذا وهو أن العرب تعبر بالفعل عن ابتداء الشروع فيه تارة وتعبر عن انتهائه تارة فيقولون فعلت عند الشروع وفعلت عند الفراغ وهذا استعمال حقيقي وعلى هذا فيكون معنى قرأت في الآية ابتداء الفعل أي إذا شرعت وأخذت في القراءة فاستعذ فالاستعاذة مرتبة على الشروع الذي هو مبادئ الفعل ومقدمته وطليعته ومنه قوله: "فصلى الصبح حتى طلع الفجر" رواه مسلم والترمذي والنسائي أي أخذ في الصلاة عند طلوعه وأما قوله: "ثم صلاها من الغد بعد أن أسفر " فالصحيح أن المراد به الابتداء وقالت طائفة: المراد الانتهاء منهم السهيلي: وغلطوا في ذلك والحديث صريح في أنه قدمها في اليوم الأول وأخرها في اليوم الثاني ليبين أول الوقت وآخره وقوله في حديث جبريل عليه السلام: "صلى الظهر حين زالت الشمس" هذا ابتداؤها ليس إلا وقوله عليه الصلاة والسلام: "صلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله" فذلك مراد به الابتداء وأما قوله: " وصلى الظهر من الغد حين صار ظل الرجل " مثله فقيل المراد به الفراغ منها أي فرغ منها في هذا الوقت وقيل المراد به الابتداء أي أخرها إلى هذا الوقت بيانا لا آخر الوقت

<<  <  ج: ص:  >  >>