للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا الذي ذهبت إليه، وأقمت الأدلة عليه أحد ما أخذته عن شيخنا أبي علي وهو معنى قوله وجمل مذهبه الذي حصله عن جلة أصحابه، وقد أوردت ألفاظه فيه، وفتقت كلامه، وأوضحت معانيه، فاعرفه، فإنه من غامض هذه الصناعة ولطيفها، وقس عليه ما جرى مجراه، فهذا كله يؤكد عندك أنهم إنما جمعوا بالواو والنون ما ليس مذكرا عاقلا، لأنهم عوضوه ذلك من الحذف أو الإعلال العارض له.

فإن قلت: فيلزمك على هذا أن تقول في "قِدْرٍ": "قِدْرُون" لأنها مؤنثة بغير هاء، وكذلك في "نَعْلٍ": "نَعْلُون" وفي "عَناقٍ": "عناقُون" وفي "يدٍ": "يدُون" لأنها محذوفة، وفي "شابّة"١: "شابُّون" لأنها مسكنة الحرف الأول مدغمتُهُ.

فالجواب: أن ذلك لا يجوز شيء منه كما جاز غيره مما قدمنا ذكره، وذلك أنه قد كان القياس في: "ثُبُون" و"ظُبُون" و"أرضُون" و"إِحَرُّون" و"إِوَزُّون" و"أُبَيْكِرِين" و"الدُّهَيْدِهِين" و"الفِتَكْرِين" و"البِرَحِين" ألا يجوز شيء منه إذ كانت الواو للمذكر العاقل، وهذه مؤنثة غير ذات عقل، ولكنهم فعلوا ما فعلوه توسعًا وعلى ضرب من التأول، فإ جاء له نظير فقد عرفت طريقه، وإن لم تسمع له نظيرًا لم تقس عليه غيره لأنه لم يَنْقَدْ في بابه.

ومثل ما تقدم قولهم في اسم البلد: "قِنَّسْرُون" و"فِلَسْطُونَ" و"يَبْرُونَ"، "نَصِيبْونَ" و"صَرِيفُونَ" و"عانِدُونَ".

ووجه الجمع في هذه الأشياء أنهم جعلوا كل ناحية من "فِلَسْطِين" و"قِنَّسْرِينَ" كأنه "فِلَسْطٌ" و"قِنَّسْرٌ" وكأن واحد "يِبْرِينَ": "يَبْرٌ"٢ وواحد "نَصِيبِينَ": "نَصِيبٌ" وواحد "صَرِيفِينَ" و"عانِدينَ": "صَرِيفٌ" و"عانِدٌ". وكذلك "السَّيْلَحُون"٣ كأن واحدها "سَيْلَحٌ" وإن لم ينطق به مفردا، و"الناحية" و"الجهة" مؤنثتان، فكأنه قد كان ينبغي أن تكون في الواحد هاء، فصار "فِلَسْطٌ" و"قِنَّسْرٌ"


١ الشابة: المرأة الفتية. لسان العرب "١/ ٤٨٠" مادة/ شبب.
٢ يبر: واحدة يبرين، ويبرين اسم موضع يقال له رمل يبرين. لسان "٥/ ٢٩٣".
٣ سيلح: واحدة السيلحون وهو اسم موضع. لسان العرب "٢/ ٤٨٨" مادة/ سلح.

<<  <  ج: ص:  >  >>