وصفاته [وإنفاقكم] إنما نفعه لكم وعائدته عليكم. ومن [المتعين] على من لم يباشر قلبه حلاوة هذا الخطاب وجلالته ولطف موقعه، وجذبه للقلوب والأرواح ومخالطته لها أن يعالج قلبه بالتقوى، وأن يستفرغ منه المواد الفاسدة التى حالت بينه وبين حظه من ذلك، ويتعرض إلى الأسباب التى يناله بها، من صدق الرغبة واللجإِ إلى الله أن يحيى قلبه ويزكيه ويجعل فيه الإيمان والحكمة، فالقلب الميت لا يذوق طعم الإيمان ولا يجد حلاوته ولا يتمتع بالحياة الطيبة لا فى الدنيا ولا فى الآخرة ومن أَراد مطالعة أُصول النعم فليسم سرح الذكر فى رياض القرآن، وليتأمل ما عدد الله فيه من نعمه وتعرف بها إلى عباده من أول القرآن إلى آخره حين خلق أهل النار وابتلاهم بإبليس وحزبه وتسليط أعدائهم عليهم وامتحانهم بالشهوات والإرادات والهوى لتعظم النعمة عليهم بمخالفتها ومحاربتها، [أعداء الله] على أوليائه وعباده أتم نعمة وأكملها فى كل ما خلقه من محبوب ومكروه، ونعمة ومحنة وفى كل ما أحدثه فى الأرض من وقائعه بأعدائه وإكرامه لأوليائه، وفى كل ما قضاه وقدره، وتفصيل ذلك لا تفى به أقلام الدنيا وأوراقها ولا قوى العباد، وإنما هو التنبيه والإشارة.
ومن استقرئ الأسماء الحسنى وجدها مدائح وثناءً تقصر بلاغات الواصفين عن بلوغ كنهها، وتعجز الأوهام عن الإحاطة بالواحد منها ومع ذلك فالله سبحانه محامد ومدائح وأنواع من الثناء لم تتحرك بها الخواطر ولا هجست فى الضمائر ولا لاحت لمتوسم ولا سنحت فى فكر.
وفى الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم فى حديث الشفاعة لما يسجد بين يدى ربه قال:"فَيَفْتَحُ قَلبِى مَنْ مَحَامِدهِ بِشَيْءٍ لا أُحْسِنُهُ الآن"، وكان يقول فى سجوده:[أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك]"أَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لا أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِكِ "، فلا يحصى أَحد من خلقه ثناءً عليه البتة، وله أسماءٌ وأوصاف وحمد وثناءٌ لا يعلمه ملك مقرب ولا نبى مرسل، ونسبة ما يعلم العباد من ذلك إلى ما لا يعلمونه كنقرة عصفور فى بحر.